قدم الدكتور هشام قنديل «خطة الحكومة فى إطار الرؤية التنموية لمصر الثورة» وعرض ملامحها فى بيان تضمن أجزاءها الثلاثة؛ الخطة قصيرة المدى 2012 - 2014 مرحلة الانتعاش الاجتماعى، الخطة متوسطة المدى 2012-2017 مرحلة تعزيز البناء الاقتصادى، والخطة طويلة المدى 2017 - 2022 مرحلة التقدم والانطلاق. وفى البداية أورد ملاحظتين، الأولى أن البيان المنشور على الموقع الإلكترونى الخاص بمجلس الوزراء لم يتضمن تفاصيل الخطة وانتهى بوعد أنه يمكن الاطلاع على تفاصيل خطة الحكومة على موقع رئاسة مجلس الوزراء على شبكة الإنترنت، بينما لا يوجد على الموقع المشار إليه أى تفاصيل عن تلك الخطط أكثر مما احتواه بيان رئيس الوزراء.ولمزيد من التحوط بحثاً عن تفاصيل الخطة، زرت الموقع الإلكترونى لوزارة التخطيط والتعاون الدولى لأفاجأ بأنه جارٍ تحديث الرابط الخاص ب«الخطة القومية لزيادة الدخل 2012 - 2022». والملاحظة الثانية، أن البيان تضمن مجموعة من المفاهيم والمصطلحات المتخصصة غير المتاح للمواطن العادى التعرف عليها أو فهمها، ناهيك عن أن تلك المفاهيم تحتاج لتحقيقها إلى وقت طويل يتجاوز عام 2022حتى يتهيأ المجتمع المصرى والاقتصاد الوطنى لاستيعابها وتطبيق آلياتها. وثمة ملاحظة فى الموضوع، أن خطة الدكتور قنديل عددت كل الأهداف التى يمكن ذكرها بهدف إثارة مشاعر المواطنين، فالخطة تهدف إلى جعل «مصر دولة حرة مدنية ديمقراطية، رائدة إقليمياً ومؤثرة عالمياً، ذات اقتصاد وطنى مستقل، يتمتع فيها كافة المواطنين بالكرامة الإنسانية وبرغد العيش دون تمييز، فى إطار مجتمع متمسك بهويته الوطنية وموروثه الثقافى وقيمه الدينية والحضارية، ويسوده العدل واحترام حقوق الإنسان»، وتحدد الخطة أن من أهدافها «استكمال تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وبناء الإنسان المصرى، وبناء الاقتصاد، وتحقيق عدالة اجتماعية شاملة، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة»، وتتسم تلك الرؤى والأهداف بالعمومية والتسطيح وصعوبة قياس مدى تحققها، فضلاً عن عدم تحديد ما المقصود بتعابير مثل بناء الاقتصاد أو بناء الإنسان المصرى!ولم يتم توضيح الفلسفة الجديدة للخطة بأن «العدالة الاجتماعية قوة دافعة للنمو الاقتصادى»، وليست مجرد تابع لذلك النمو، وتلك مقولة يصعب تحقيقها أو قياسها، فلكى تصبح العدالة الاجتماعية دافعاً للنمو الاقتصادى يجب أن يصل المجتمع المصرى إلى مستوى «مجتمع الرفاهة الكاملة» فى المدى الزمنى للخطة، وهو حلم غير قابل للتحقيق مع كل التقدير لواضعى الخطة الذين عكفوا على إعدادها على مدى ثلاثة أشهر بالإضافة إلى نتائج الزيارات الميدانية للسيد رئيس مجلس الوزراء!!! وفى حدود ما تضمنه بيان رئيس الوزراء، فلا نستطيع الحكم على المعايير التى استخدمها واضعو الخطة لتقرير أسلوب الموازنة المستهدفة بين «التشغيل والعدالة الاجتماعية» وتحقيق النمو الاقتصادى بمعدل يرتفع من 2.2% عام 2011/2012 إلى 3.5% عام 2012/2013، ثم 4.5% عام 2013/2014، «بما يحقق تنمية مستدامة تُمَكّن من الوصول بمعدلات نمو تبلغ 7% فى المتوسط حتى عام 2022»، ولا معايير الوعد «بتوفير فرص عمل لا تقل عن 800 ألف فرصة عمل قبل نهاية العام المالى الجارى لخفض نسب البطالة، وزيادة معدلات الإنتاج، وذلك من خلال تعظيم الاستثمارات المحلية والأجنبية لتبلغ 167 مليار جنيه مصرى تساهم الحكومة فيها بحوالى100 مليار جنيه»! من جانب آخر، لم يتطرق بيان الخطة إلى مجموعة المشروعات الكبرى المزمع إقامتها فى منطقة القناة وسيناء والوادى الجديد والصعيد وغيرها من المناطق وهل تمت دراسات جدوى علمية لتلك المشروعات، أم هل تكون مشروعات وهمية على غرار «مشروع النهضة»؟ وهل تم تقدير مدى استعداد القطاع الخاص فى تنفيذ برامج ومشروعات الخطة؟ وما المدى الزمنى لإعداد المشروعات التى يدعى بيان الخطة أنها سيتم طرحها قريباً، ومتى سيتم دعم سوق المال، وإعداد خريطة استثمارية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإعداد مجموعة من مشروعات القوانين لتوفير بيئة تشريعية تدعم التنمية، وإقامة شراكة مع المجتمع المدنى، والاستفادة من علاقات مصر الخارجية والاتفاقيات الموقعة مع شركاء التنمية لدعم الاقتصاد المصرى؟ وتعدد الخطة مزيداً من الوعود دون تفصيل واضح لمدى إمكانية تنفيذها ما بذكرنا بالوعود التى تضمنها البرنامج الرئاسى وخطة المائة يوم مثل برنامج وطنى متكامل للإصلاح المالى، إعادة توجيه الموارد نحو الاستثمار والتنمية البشرية ودعم برامج العدالة الاجتماعية، ورفع كفاءة الدعم ليصل إلى مستحقيه، إعادة تطوير المدن وتطوير المناطق العشوائية والارتقاء بالخدمات العامة، وتنمية المناطق الصحراوية والمحافظات الحدودية، وإنشاء سلسلة من المدن والقرى الجديدة حول الدلتا والوادى وتفعيل اللامركزية المحلية والمشاركة الشعبية على مستوى المحليات. وتبلغ المبالغة فى الوعود أن خطة الحكومة الجديدة تشمل مخططاً متكاملاً لتنمية سيناء بتوطين ما يقرب من 1.5 مليون مواطن بسيناء!!! ومخطط لتنمية الوادى الجديد، وجنوب الوادى، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المتكاملة شرق بورسعيد وهكذا تم تحويل مصر إلى جنة تتفوق على أعتى الدول المتقدمة فى العالم!!! كل هذا مقدرٌ تحقيقه فى مدى عامى الخطة قصيرة المدى، فما بالنا بالخطتين قصيرة وطويلة المدى وذلك سيكون موضوع مقال الأسبوع المقبل بإذن الله.