رغم اتساع القوى المشاركة فى ثورة 25 يناير وما قدمه الشعب المصرى من تضحيات، وما حققته الثورة من نتائج، فإن قوى الثورة بقيت خارج دائرة السلطة، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد بما أدى إلى الحيلولة دون تحقيق أهداف الثورة فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وما زالت البلاد تعانى من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى كانت سائدة فى ظل النظام السابق، وتبدد حلم التغيير الذى ضحى من أجله الشهداء بأرواحهم والمصابون بأجسادهم، وانتهت الموجة الأولى من الثورة بما أصاب الكثيرين بالإحباط تصوراً منهم أن ما حدث هو نهاية حلم المصريين فى التغيير. المهم هنا أن نعرف لماذا عجزت قوى الثورة عن الوصول إلى السلطة، وكيف يتم تدارك ذلك مستقبلاً. بدأت الدعوة إلى مظاهرات 25 يناير من بعض الحركات الاحتجاجية وجماعات الضغط مثل شباب 6 أبريل، وشباب من أجل العدالة والحرية، والحملة الشعبية المساندة للدكتور محمد البرادعى، وجماعة كلنا خالد سعيد، وحركة كفاية، وهى جميعاً حركات شبابية تشكلت للضغط من أجل أهداف معينة، مثل محاكمة قتلة خالد سعيد، أو إعادة النظر فى بعض مواد الدستور المنظمة للانتخابات، أو التخلى عن فكرة التوريث لجمال مبارك وغيرها. لم يكن من أهداف هذه الجماعات تولى السلطة أو المنافسة على السلطة، بل كان أقصى ما تسعى إليه أن تضغط من خلال المظاهرات والإضرابات لتحقيق هذه الأهداف، وكانت فى تحركها لتحقيق هذه الأهداف تخاطب السلطة ولا تفكر فى تغييرها أو الحلول محلها، وقد أدى نجاح المظاهرات واستمرارها وتجاوب الشعب معها إلى تحولها إلى انتفاضة شعبية تحولت تلقائياً إلى المطالبة بإسقاط النظام دون أن تربط بين هذا الشعار والتغيير فى السلطة، ودون أن تطرح على نفسها تولى السلطة لإقامة نظام جديد. وقد ساعد على هذا التطور فى سياق الثورة أن الأحزاب السياسية المعارضة تأخرت فى المشاركة فى المظاهرات وكانت من الضعف إلى الدرجة التى تمنعها من قيادة الانتفاضة الشعبية. وهنا تكمن المفارقة فى وضع ثورة 25 يناير، لأن الأحزاب السياسية التى تأخرت فى الالتحاق بركب الثورة هى الطرف الوحيد الذى كان بإمكانه أن يتولى السلطة، فالحزب السياسى هو كيان ينشأ للتعبير عن مصالح اجتماعية محددة ويسعى للوصول إلى السلطة من أجل تحقيق هذه المصالح. ولكن الأحزاب كانت ضعيفة وتأخرت فى المشاركة. من هنا نشأ الفراغ السياسى الذى نجح فى استغلاله الحزب السياسى الأكثر تنظيماً والذى كان يسعى للسلطة منذ سنوات طويلة وهو جماعة الإخوان المسلمين. اغتنم الإخوان المسلمون الفرصة وطالبوا بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة لأنهم كانوا يعلمون جيداً أنهم الأقرب إلى الحصول على الأغلبية، وهو ما تحقق لهم بالفعل، ولكن ازدواجية السلطة بينهم وبين المجلس العسكرى لم يمكنهم من الانفراد بالسلطة، وما تزال المرحلة الانتقاليه ممتدة إلى أن يتبلور نظام سياسى جديد، وما يجرى حاليا فى الساحة السياسية من تشكيل أحزاب جديدة، والمنافسة القائمة بين هذه الأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين تؤكد أن الفراغ السياسى الناجم عن الأوضاع التى حكمت أحداث الثورة لن يستمر طويلا، وأن الأحزاب يمكن أن تملأ هذا الفراغ، تتحالف فيما بينها، وتنشأ خريطة سياسية جديدة تتنافس على السلطة. وإذا كانت الثورة فى ظل قيادة جماعات الضغط لم تتمكن من الوصول إلى السلطة فإن قيادة الأحزاب السياسية للنضال الثورى فى المرحلة القادمة يمكن أن تعوض هذا القصور. وهذا هو الفارق الحقيقى فى قيادة الثورة بين جماعات الضغط والأحزاب السياسية.