هل تتذكرون مطالبة القيادى السلفى السابق عبدالمنعم الشحات بتغطية وجوه التماثيل الأثرية «باسم الشريعة»، واصفاً الحضارة المصرية القديمة بازدراء بأنها «وثنية وعفنة»؟ ومن بعدها فتوى الشيخ يوسف البدرى «الشرعية»، بوجوب تحطيم التماثيل التاريخية، فى الوقت الذى نكافح فيه فى الداخل والخارج، من أجل دعم أساسات هوية مصر الممتدة عبر آلاف السنين، حفاظاً على سلامة النسيج المجتمعى لشعب مصر فى مواجهة المتربصين. وبتغييب تام عن واقع التاريخ والحضارة الإنسانية، يقدم حملة معاول الهدم، «كالسائرين نياماً» أعظم مساعدة وأغلى هدية لأعداء مصر التقليديين من متطرفى اليهود، والصهاينة، من الحاقدين ومزورى التاريخ، الذين يجاهرون بحقدهم على مصر وحضارتها، ويجتهدون فى أن يثبتوا بشتى الوسائل أن بنى إسرائيل هم بناة الأهرام وصانعو الحضارة. ومع أصحاب تلك التوجهات، من المنتمين فكرياً وتنظيمياً لجماعات الدعوة السلفية، نسلك طريق التنوير بوسطية الإسلام فى مواجهة أبعاد الزيف، والافتراءات على حضارة مصر القديمة، التى علمت الإنسانية معنى التوحيد والقيم ومفاهيم العدالة والأخلاق فى الضمير الإنسانى، قبل ميلاد موسى عليه السلام بمصر بآلاف السنين، قناعة منَّا بأنه الطريق الأمثل للتفاعل مع إخوة فى الوطن، وفى الدين، وحفاظاً على استقرار مجتمعنا التعددى وأمنه. حتى إن أطل علينا وجه العائد من أفغانستان «مرجان الجوهرى»، القيادى بجماعة «السلفية الجهادية»، لا ليفتى تلك المرة، بل ليؤكد أنهم مكلفون بتحطيم أبى الهول والأهرامات، بادعاء أنها أوثان تُعبد من دون الله، كما فعلوا فى أفغانستان وحطموا تماثيل بوذا. نحن فى تلك المرة أمام رجل شارك فى «تجربة حية» لجريمة هدم تراث إنسانى تاريخى، باستخدام الأسلحة الثقيلة، وكلامه يُبَيِّن بجلاء الخصائص التى تجعل من الطرح «السلفى الجهادى» خطاً فكرياً، يختلف عن الخطوط الفكرية لجماعات التيار السلفى عامة، فهو يرى فى الجهاد المسلح السبيل الوحيد للتغيير، وترفض جماعته أى طريق آخر يمهد لإقامة نظام الخلافة الإسلامية المنشود فى أدبياتهم، كالدخول فى البرلمانات، أو التربية والتثقيف، أو الثورة الجماهيرية السلمية أو إشاعة الوعى بصحيح المنهج السلفى. لا داعى للخوف من هؤلاء، فلن يستطيعوا أبداً تنفيذ ما يحلمون به، إلا إذا ساعدناهم بضعف دفاعنا عن وسطية الإسلام، ومفاهيم الهوية المصرية الفريدة، فى مواجهة منظومة فكر «إرهابى»، له نكهة الفاشية الدينية النفاذة، يستعرض أمامنا وجوه الإرهاب المختلفة. فهو يتجسد ميدانياً فى تنظيم «عسكرى مسلح» ضد القوات المصرية والمدنيين فى شمال سيناء، وله خلايا مسلحة كامنة فى العمق المصرى، تم القبض على بعضها مؤخراً. كما أن أتباعه يمارسون إرهاباً فكرياً بتكفير من يخالفهم الفكر من الحكام المسلمين، ومنهم الرئيس مرسى، وهم يخدمون بذلك مصالح إسرائيل وأعوانها، بإضعاف هيبة الدولة المصرية ونظام حكمها. وتأتى تصريحات الجوهرى مُجَسِّدة لما يمكن أن نُعَرِّفَهُ «بالإرهاب الحضارى»، وهو الذى يهدف إلى النَّيْل من جغرافية مصر باقتطاع أجزاء من أرضها، وإخراج حضارتها من سياق التاريخ، بهدم شواهد عمق جذور هويتها. وما بين غياب ردود أفعال رسمية حاسمة وتشريعات تفرض حماية التراث المُجَسِّد للهوية المصرية من الفاشية والجهل، وبين غياب تبرؤ صريح ومتكرر من قيادات وشيوخ الدعوة السلفية، ومؤسسة الأزهر الشريف، من ممارسات هذا التوجه الإرهابى باسم الإسلام، تضيع هيبة الحق، وتزداد سطوة الهوس الدينى.