سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور إيهاب الخراط ل«الوطن»: أعضاء فى "التأسيسية" لديهم "خلل سياسى وثقافى".. وأحكام الشريعة تفتح الباب ل"ولاية الفقيه" «دستور الإخوان» يهمل حقوق العمال والفلاحين التى حصلوا عليها فى دساتير ما بعد 52
فى ظل استقطاب غير مسبوق بين القوى المدنية من ناحية والتيارات الدينية من ناحية أخرى، التقت «الوطن» النائب المدنى الذى استخدم عبارة: «بما لا يخالف شرع الله» فى سياق كلمة له بمجلس الشورى، الدكتور إيهاب الخراط، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالشورى، ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، فى محاولة لإزالة نقاط الالتباس حول موضوع الساعة الأكثر إلحاحاً وهو دستور مصر واللجنة «التأسيسية» المُكلفة بكتابته. تحدث الرجل الذى يعتبر أحد العقول المفكرة فى حزبه، ويحظى فى الوقت نفسه بتقدير الإخوان والسلفيين، مؤكداً أن «أحدا لا يعارض المشروع الإسلامى بمعناه المتسع والمتطور»، واضعاً يده على ما غاب عن مسودة الدستور من حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية يرى أنه لابديل عن وجودها، مرجعاً ذلك إلى الخلل فى التركيبة الثقافية والسياسية لكثير من أعضاء التأسيسية، وإلى نص الحوار: * قبل أيام، وجه عبدالرحمن البر، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، اتهامات لمعارضى الجمعية التأسيسية بعرقلة كتابة الدستور وبناء المؤسسات الديمقراطية، فما ردك على ذلك؟ - نحن نسعى لتأسيس الديمقراطية بصورة سليمة، وكنا نطالب بالدستور أولاً، والآن وبعد كل هذه المدة عدنا إلى نفس النقطة، وسيكتب الدستور ثم ينتخب مجلس شعب، وشركاؤنا فى الوطن لا يدركون أننا نتكلم بموضوعية وبنظرة علمية للمسألة السياسية كلها، حيث كان يجب أن توجد جمعية تأسيسية توافقية، ثم ننتقل إلى كتابة الدستور، أولاً، ثم تجرى الانتخابات، وهكذا. والآن نحن فى مأزق كبير جداً؛ لأن الشركاء لا يريدون أن يتوافقوا أصلا. هم كانوا يريدون أن يحصلوا على مجلس الشعب أولاً، فيؤسسوا جمعية تأسيسية حسب هواهم، ليكتبوا الدستور حسب الهوى نفسه، ولذلك فليس نحن الذين نعرقل التحول الديمقراطى. * لكن حزب «الحرية والعدالة» وقوى الإسلام السياسى بشكل عام، يتهمونكم أنتم أيضاً بأنكم ضد التوافق؟ - المسألة بسيطة جدا، فالتوافق هو أن تكون أنت راضٍ وأنا راضٍ، وهم كانوا يريدون أغلبية فى الجمعية التأسيسية، والأغلبية تعنى المغالبة، أما «رضا الطرفين» فيعنى التوافق، والإخوان والسلفيون يشكلون معاً فى الجمعية أغلبية تتجاوز 62% من أعضائها، ولو استمر الحد الأدنى للتصويت 57%، فهذا يسمح لهم بتمرير أى شىء. * سبق وقلت فى سياق كلمة لك بمجلس الشورى عبارة «بما لا يخالف شرع الله»، مثلما كان يقول السلفيون، فلماذا كان ذلك؟ - قلت ذلك عند إلقاء كلمة الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى، لأؤكد أنه لا أحد منا يريد أن يخالف الإسلام، فنحن لا نعارض المشروع الإسلامى بمعناه المتسع والمتطور الذى يعبر عن الحضارة العربية الإسلامية التى تحمل فى طياتها أيضاً الهوية القبطية والمصرية القديمة وكل السمات التى تكون فخر الحضارة العربية الإسلامية، بل أقول إن عز الإسلام لم يكن فى الشعارات التى يرفعونها الآن، بل كان فى إسهامات علماء مثل الفارابى وابن سينا وابن رشد، وغيرهم، وطالبنا بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية فى الوقت الذى لم يطالب بها حزب النهضة الإخوانى فى تونس، فنحن نسعى لإقامة المشروع الإسلامى، بمعناه واسع الأفق وليس بمعناه السلفى الضيق. * فيما يتعلق بالمادة الثانية، لماذا تعارضون إضافة عبارة «أحكام الشريعة» وتريدون الاكتفاء بكلمة مبادئ؟ - هناك تعريف واضح ل«المبادئ» بأنها الأحكام قطعية الدلالة قطعية الثبوت، ونحن نؤيد ذلك ونطالب به؛ لكن السلفيين يقولون صراحة، إنهم يريدون الأحكام الظنية، وهى الأحكام التى لا يتفق عليها الفقهاء، وهناك اختلافات فى تأويلها، ويريدون التأويل الذى يرون أنه التأويل المناسب، وإذا كان المولى سبحانه وتعالى كما تؤمن أنت يا سلفى جعل هذه الأحكام ظنية، فلماذا تريد أنت أن تجعلها قطعية فى الدستور، لكن هو يريد أن يجعلها قطعية لأنه يريد أن يفرض علينا ظنه لهذا الحكم، ولذلك نحن نعترض على المسائل الظنية؛ لأنها ستفتح الباب واسعاً ل«ولاية الفقيه»، والإسلام لا يعرف ذلك. * هل تعتقد أن الإخوان ربما يخلطون ما بين مصطلح «المشروع الإسلامى» وبين مشروعهم السياسى المتعلق بالوصول للسلطة؟ - لا أريد أن أسىء الظن فى الدوافع، ولكن الإخوان والسلفيين كل منهم لديهم مشروع ويظنون أن هذا هو المشروع الوحيد الذى يستحق أن يوصف بالإسلامى، وأنا أدعى أن الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، مثلاً، هو التمثيل الأفضل لخير ما فى الإسلام من تعدد وتنوع وعمق ومبادئ، وهى المبادئ الأربعة الخاصة بنا، وهى: التضامن، احترام الحرية، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، وهى تمثل عمق الإسلام أكثر ما تمثله إطالة اللحى أو تقصير البنطلونات. * إلى أى حد تعتقد أن ما أعلنته رئاسة الجمهورية مؤخراً عن وجود توافق على 90% من مواد الدستور، صحيح؟ - أعتقد هناك تحفظات كبيرة على قرابة 20 أو 30 من مواد مسودة الدستور. * لكن الإخوان يقولون إنكم تنتقدون الدستور لمجرد الانتقاد؟ - نحن لدينا ملاحظات شديدة الوضوح، ففيما يتعلق بحقوق العمال، فإن جوهر ما جاء فى الدستور الجديد، أنه يربط الأجر بالإنتاج وهذا أمر شديد الخطورة أيضاً إذا ما ذُكر وحده، لأنه قد يعنى إهدار الحد الأدنى للأجر؛ فتقول للعامل أنت إنتاجك لم يأت بالحد الأدنى للأجر فلن أعطيه لك، أو يهدر الحد الأدنى لساعات العمل، فتقول أنت لم تنتج فى ال8 ساعات فتستمر فى العمل حتى تنتج، وقد يهدر الإجازات والحق فى المعاشات والتأمينات، وكل هذه الحقوق يجب أن تذكر طالما ذكرت أنك ستربط الأجر بالإنتاج. وفى البند المتعلق بالفلاحين، تقول المسودة يحال للقانون حماية الفلاحين من الاستغلال، وتستحى أن تقول إن الدستور يحمى حقوق الفلاحين من الاستغلال، وأن الدولة تضمن للفلاح المياه فضلاً عن السماد ومستلزمات الزراعة الأخرى، بالإضافة إلى ثمن عادل لمحاصيله، والدكتور جابر نصار، أستاذ القانون الدستورى، طرح هذه المطالب ولم يؤخذ بها. ولذلك فإن الحقوق التى اكتسبها العمال والفلاحون فى دساتير ما بعد 52 يتم إهدارها الآن، فى دستور الإخوان؛ لأنك إذا ربطت الأجر بالإنتاج، وهو ما لم يكن قائماً فى دساتير مصر قبل ذلك، بدون أن تحدد حقوق العمال الأخرى من الحد الأدنى للأجر وساعات العمل وغيرها، تكون قد عدت للقرن السابع عشر، حيث العامل متروك لصاحب العمل يصنع به ما يشاء، ونفس الأمر بالنسبة للفلاح. وربما تكون حدثت تعديلات طفيفة فى المسودة الأخيرة التى صدرت قبل أيام، لكنها لم تتغير بشكل جوهرى كما نأمل. * أعلنت قبل أيام أن لديكم عديداً من الملاحظات الاستراتيجية الأخرى على مسودة الدستور، فما هى؟ - فيما يتعلق بالحقوق مثلاً، هناك إصرار على عدم إدراج محاربة «الاتجار بالبشر»، رغم أنه لا يوجد شرع سماوى أو غير سماوى يدافع عن الاتجار بالبشر أو يخجل من إدراجه فى الدستور، لكن القوى الغالبة فى التأسيسية تريد ضمان حق الآباء فى تزويج القاصرات، حتى لو أدى هذا إلى عدم مقاومة الاتجار بالبشر. والمسودة تسمح بالاعتقال، ولا يوجد دستور فى العالم يذكر هذه الكلمة؛ لأن هذا معناه أنك تسمح للدولة بأن تعتقل البشر، وطبقا لمسودة الدستور فإن المعتقل يمكن أن يظل 12 ساعة مقبوضاً عليه دون أن يعرف سبب القبض عليه، والصحيح أن المعتقل من حقه أن يعرف فوراً؛ لأنه لا يُعقل أن يقبضوا على شخص ثم يفكرون لمدة 12 ساعة فى سبب القبض عليه. وهناك لأول مرة فى دساتير مصر إغفال لكلمة التعذيب بعد أن كانت هناك إشارة على أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، وذوو الاحتياجات الخاصة لم يتم ذكرهم إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد، وهذه مسألة كنا نطمح أن تكون موجودة. * ماذا عن صلاحيات الرئيس فى الدستور، كثيرون يعتقدون أنها قريبة من صلاحيات مبارك؟ - مسودة الدستور قللت قليلاً من صلاحيات الرئيس، فلم يعد له مطلق الحرية فى تشكيل الحكومة ولا اختيار رئيس الوزراء، والمادة الخاصة باختيار الوزارة مكتوبة بحرفية عالية، ولا أريد أن أنتقد «فى الفاضى والمليان»، وتنص هذه المادة على أن يسمى رئيس الجمهورية رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة خلال عشرين يوماً، وتتقدم هذه الحكومة ببرنامجها لمجلس النواب خلال 30 يوماً، ومن الممكن أن يرفضه، وفى هذه الحالة يعين رئيس الجمهورية رئيس وزراء آخر، إذن فلابد للرئيس اختيار رئيس وزراء سيلقى قبول مجلس النواب من الأغلبية الموجودة فى المجلس أو يكون أعضاء المجلس راضين عنه. * ولماذا لا تشكل الأغلبية الوزارة مباشرة؟ - ذلك سيعطى سلطة كبيرة للبرلمان، ويُخشى فى الفترة القادمة أن تُعطى سلطة كبيرة للبرلمان، وسلطة كبيرة للرئيس، فيتضاربوا ولا نصل إلى حل، بينما هذه الصيغة تقيد رئيس الجمهورية فى أشياء وتقيد البرلمان فى أشياء أخرى؛ لذلك أعتقد أن باب نظام الحكم ليست به مشاكل كبيرة فى رأيى، ومعظم مواده جيدة ومكتوبة بحرفية وإن كان من الممكن أن تختلف معه. * فى ضوء ما سبق، هل المسودة التى خرجت عن «التأسيسية» يمكن تطويرها؟ - أتمنى أن يتم تعديل هذه المسودة، والمشاكل الكبيرة التى تحدثت عنها فيما يتعلق بحقوق العمال والفلاحين وحتى ذوى الاحتياجات الخاصة، ومسألة التعذيب، فحل هذه الأشياء ليس مستحيلاً، وأيضاً التعقل فى مسألة عدم فرض الأحكام الظنية علينا، فإذا وصلنا لذلك سنتوافق. * إذن أنت ليس ممن يرون ضرورة إعادة تشكيل التأسيسية أولاً؟ - أطالب بذلك، ولكن إذا أخرجت لنا منتجاً جيداً ولم نشارك فيه سيكون خطأ منهم وسيحسب عليهم أنهم لم يشركونا فيه، ولكن فى النهاية سأوافق على هذا المنتج، فالمسألة ليست تشدداً أو «لا فيها لأخفيها»، مثلما قال عصام سلطان. * هل تعتقد أن مشكلة «التأسيسية» تكمن فى عنصر عدم الخبرة أم سوء النية؟ - هناك أعضاء كثيرون من الجمعية التأسيسية ينقصهم الحس السياسى والحقوقى، وبالتالى فهم لا ينتبهون إلى ما يصيغونه من انتهاكات، وتركيبتهم السياسية والثقافية تجعلهم يعتقدون أن ذلك جيد، فهم يعتقدون أن ختان البنات يزيد العفة ولا يعرفون أن الأبحاث العلمية تؤكد أنه لا يزيد العفة ويؤذى البنت، وهو غير منتبه أنه عندما يربط الأجر بالإنتاج ولا يشير لحقوق العمال الأساسية يكون بذلك يهدر حقوق العمال، والأمر ليس «عدم خبرة»، فهناك خلل فى التركيبة الثقافية والسياسية. * هل تعتقد أن موازين القوى الموجودة الآن تسمح بكتابة دستور يليق بالأهداف التى خرج من أجلها المصريون فى الثورة؟ - إذا قرأ الناس الموازين بصورة موضوعية ومتجردة وأعطت للبعض قدرها سنصل لحل، لكن إذا تمسكت بمكاسب حدثت فى لحظة انتخابية معينة ربما لا تعكس الشارع الآن، فلن نصل إلى حل، وإذا استمروا يتاجرون بشعارات دينية لتمرير رؤيتهم الضيقة على اعتبار أنها صحيح الدين، فلن نصل إلى حل.