يحيرنى جبروت حاملى صكوك الغفران ومتعهدى (كرتة) أبواب الجنة عندما يختزلون الدين فى كلمات وكأن الجنة مرهونة على مجرد لفظ يخرج من الفم، أو كلمة سر تفتح مغارة على بابا، بنطق الشهادتين، وإلا أصبح كل ما يقوم به الإنسان من خير عبثاً، متشبثين بالمعنى الذى يريدونه من النص القرآنى العظيم {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران 85)، بمنطق التلميذ البليد (اللى حافظ مش فاهم)، على افتراض حسن النيات، أو قل «كالمحامى الخبيث المتلاعب بنصوص القانون ليبرئ المجرم ويدين البرىء».. رغم أن الدليل بين ضفتى الكتاب المقدس نفسه فى كثير من المواضع: - {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (البقرة 132). - {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران 52). إذن، ف«الإسلام» ليس مجرد الانتماء اللفظى لرسالة سيدى ورسولى محمد (عليه وعلى أنبياء الله جميعاً أفضل الصلاة والسلام) بل هو دفقات متواصلة من الرسالات السماوية الهادية للبشر فى طريق واحد لا يقود إلا إلى نهاية واحدة.. إنه الطريق إلى الله.. لتبهرنى نماذج من البشر أرى موقعها من الجنة يفوق كل معتلى المنابر المتشنجين باسم الدين الصارخين بضجيج بلا طحين. تفرض نفسها على وجدانى امرأة، لا أعرف حتى اسمها، وقد تعلمت منها درساً كبيراً.. تلك السيدة الأسترالية التى تطوعت لمساعدة منكوبى (مجرمة العالم وسفاحة الأطفال فى العراق)، وقد اختارت الحالتين الأشد إعاقة لطفلين أخوين عراقيين بُترت معظم أطرافهما ليكونا رفيقيها فى الحياة حتى أصبحا شابين رائعين أحدهما (إيمانويل) لنكتشفه عندما فاز فى مسابقة غنائية فى أستراليا ويشدو ليصفق العالم لأنشودة «السلام والحب والخير». تتضاءل الكلمات وتقف عاجزة أمام تلك القلوب التى لا تتعامل مع الوجود بحسابات المكسب والخسارة. أرَقْتِ دموعى يا سيدتى يا سيدة العالم.. لقد ذبحتِنا بإنسانيتك عندما أعلنتِ فى بساطة أن الخير ليس له وطن ولا دين بعينه، بل هو الفطرة الربانية التى يتمرد عليها ذلك الكائن الأخرق بآلات الحرب والدمار، فكل لحظة قضيِتها فى الاهتمام بشئونهما البسيطة: تحضير الطعام للأفواه الصغيرة، تنظيف الثياب التى لا يعرفان كيف يرتديانها، اختيار لعب تناسب ما تبقى من جسديهما، إخفاء دمعة الإخفاق على تجارب من المؤكد أنهما مرا بها، المضىّ قدماً للأمام رغم كل تحديات الحياة.. أدرك أنك استمتعتِ كثيراً بطاقة العطاء، وكذلك أخفيتِ دموعاً كثيرة فى ليالٍ بلا قمر ليشهد ما يفعله الكبار الذين يظنون أنهم كبار عندما يقتلون ويفتكون ثم يجلسون على موائد العالم يتبادلون التحيات بقلب ميت ولا يكترثون بالنظر تحت أقدامهم لبحار الدماء المراقة على أعتاب مجالسهم.. أبشرك بالجنة سيّدتى، حتماً ستخجل منكِ النار سيدتى.. ولمن الجنة إذن إن لم تكن لك.. لقد فتح الرحمن أبوابها لعاهرة سقت كلباً.. فهل يضن بها عليكِ؟.. أنتِ فى عينى أكثر إسلاماً ومسيحية ويهودية من هؤلاء المتناحرين الصائحين المتذمرين النظريين المتشدقين بضياع الدين وقد أضاعوا الدين. فلتسعدى سيدتى باختيارك العظيم.. ولنسعد نحن بأنك موجودة فى هذا العالم.. وليلزم الجميع حجمه الحقيقى.. فلعلك سيدتى تقوديننا إلى الجنة إكراماً من رب الرحمة لأحد ملائكة الرحمة.