القضاة فى أى مجتمع هم خيرته، يوكل لهم مهمة تحقيق العدالة. هذه الكلمات تقال بمناسبة ما ذكره المستشار الزند رئيس نادى القضاة، عندما أومأ منذ أيام بكلمات كلها تحدٍّ وتوعد، يلطم الخدود وينذر ويحذر، كلمات لا يمكن أن تصدر على لسان قاضٍ. نحن هنا نصادف نوعية جديدة من القضاة غرضها تأليب المجتمع وإثارة المشكلات، وتحريض القضاة للانقلاب على القيم. أين قيل ما قيل؟ وماذا قيل؟ ما قيل ذكر داخل نادى القضاة وهو مكان مشهر وفق قانون الجمعيات الأهلية، أى أنه لا يعدو أن يكون منتدى غرضه وفق نظامه الأساسى تقديم الخدمات للقضاة، كالحج والعمرة ومشروعات الإسكان.. إلخ. بعبارة أخرى أراد الزند أن يحول النادى إلى حزب سياسى. بالطبع له ما يريد لكن فى مكان آخر هو الأحزاب السياسية. أى أننا الآن أمام محاولة لتسييس القضاء. إن أسوأ أمر يمكن أن يبتلى به مجتمع ما أن يخرج كل كيان عن وظيفته. وهنا نشير إلى أن الحديث فى الشأن السياسى هو مكان أقرته النظم السياسية المتمدينة فى الأحزاب السياسية. أما جماعات الضغط والمصالح كالنقابات والنوادى فوظيفتها بالأساس خدمية. عزاؤنا ما قامت به جماعة «قضاة من أجل مصر» وما قام به مستشارو هيئة قضايا الدولة من رد يكفى الزند ويفيض. يبقى السؤال: ماذا قال المستشار؟ قال إن القضاة سيقاطعون الاستفتاء، عقاباً على ما يسطر فى مشروع الدستور. والسؤال هنا هل القضاة هم وحدهم أنزه خلق الله؟ هل كل الانتخابات التى أدارها القضاة كانت نزيهة؟ ألم تكن الثورة، قد قامت -ضمن ما قامت من أجله- بسبب الغضب على تزوير الانتخابات التى أشرف عليها القضاة فى عهد مبارك؟ أين الزند من كل وقائع التزوير والمواقع والنزالات التى خاضها بشرف بعض القضاة ضد التزوير أمثال الأخوين مكى وبسطويسى وعبدالعزيز والزينى والخضيرى؟ أما الأمر الثانى وسبب المشكلة فهو وضع القضاة فى مسودة الدستور، وهى المسودة التى تردد كل جملة فيها بعبارات عن استقلال القضاء. ماذا يريد الزند أكثر من هذا الوضع المميز للقضاء. أحسب أن أى منصف سيعتبر أكثر من ذلك هو التمييز بعينه، والزند يريد التمييز لغرض فى نفس يعقوب، يريد أن يجعل القضاة من طينة غير طينة البشر، هو بذلك يضر بالقضاة، لأنه يحرض على الكراهية ضد أناس نجلّهم ويجلوننا. ماذا سيفعل القضاة بكل هذه الحصانات، التى أفسد مبارك بها بعض القضاة. الرد الوحيد على الزند يجب أن يكون بالأفعال، والأفعال تحتم ما يلى: 1- التمسك بكل ما جاء فى مسودة الدستور عن استقلال القضاء دون زيادة، وبه ما يكفى لنيل حصانة القضاء. فلا تمييز لفئة ولا قبول لتهديد من أحد. 2- عدم تمييز القضاة عن بنى البشر لمنع الأحقاد عليهم، وهنا يجب العودة لسن التقاعد 60 عاماً. 3- تأقيت المناصب القضائية كما تؤقت كل مناصب الدولة بما فيها منصب رئيس الجمهورية. حتى لو قيل إن الغرض هو عزل النائب العام. 4- وضع هيكل تشريعى وفاقى يحدد ميزانية القضاء، ومحاسبتهم، وإلغاء كل ما يورث مقاعدهم، ويمنع عنهم المناصب المدنية بعد التقاعد لمدة 3 سنوات ضماناً لنزاهتهم التى يحرصون هم أنفسهم عليها. 5- تخيير القضاة للإشراف على الانتخابات والاستفتاءات، حتى لا يقوم كل من له صفة أو ليس له صفة بإصدار تهديد أو وعيد. وعقب ذلك يجب أن نستعد من الآن للإعداد الجيد للمفوضية الوطنية للانتخابات، حتى نستغنى عن هذا الإشراف الذى ورط القضاة فيما لا يعنيهم، وجعل منه وسيلة ابتزاز. 6- إعادة تكييف قانون الجمعيات الأهلية حتى لا تقوم تلك الجمعيات بأى دور سياسى مهما كان أعضاؤها. وعلى كل حال، فإن هذا الأمر سيفيد أحزابنا عبر عضوية جادة وفاعلة، بعد أن حولها مبارك إلى أنتيكات للديمقراطية.