تضمنت خطة «لجنة تعليم الرئاسة» بنداً لتطوير أسلوب القبول والتعليم بالكليات، ينص على عمل اختبار قدرات للالتحاق، وحرمان الطالب الراسب من المجانية، بحيث يدفع التكلفة الحقيقية لتعليمه حال رسوبه. الأخطر فى هذه التوصية يكمن فى شقها الأول: «اختبار القدرات»، أما الخطر فيرتبط بالشق الثانى «حرمان الراسب من المجانية». فى الشق الأول نقول: لا يختلف اثنان على أن مكتب التنسيق لا يعد الآلية المثلى لتوزيع طلاب الثانوية العامة على الكليات، ومنذ فترة طويلة تعددت الدعوات المطالبة بمراجعته وإعادة النظر فيه، وتوزيع الطلاب على الكليات طبقاً لقدراتهم ومواهبهم. هذا كلام لا خلاف عليه، لكننى أظن أن البعض لا يختلف معى فى أن نظام «اختبارات القدرات» قد يتحول إلى بوابة من بوابات الفساد الذى ابتليت به العديد من مؤسسات مجتمعنا، إلا ما رحم ربى. لعلك تعلم أن «اختبار القدرات»، حين يستخدم كوسيلة لاختيار من يلتحقون ببعض المؤسسات، يتحول إلى واحد من الأسباب المباشرة التى تؤدى إلى تكوين الشبكات العائلية الفاسدة داخل بعض المؤسسات، لا لشىء إلا لأن هذا النوع من الاختبارات، سواء كان شفوياً أو تحريرياً، يعتمد على الذوق الشخصى للممتحن، وتفضيلاته، وأهوائه (بما فيها الأهواء السياسية)، وعلاقاته، والضغوط التى تمارس عليه من داخل أو من خارج المؤسسة. وقد يكون الارتكان إلى هذا النظام بوابة لمراكمة مفاسد أكبر من تلك التى تترتب على نظام التنسيق، ليظل الأخير الأكثر أماناً وأمانة، بحكم اعتماده على فكرة الرقم المجرد، والبرنامج المحايد الذى لا يعرف الطالب إلا من خلال المجموع الذى حصل عليه. أما قصة «القدرات» وهى قصة ضرورية ومهمة فى إعداد وتكوين الطالب الجامعى فيمكن التماس طرق أخرى للتعامل معها. وفى تقديرى أن التطوير الحقيقى لا بد أن يكون فى هذه المساحة، بحيث توضع خطط حقيقية لتطوير قدرات الطلاب داخل الكليات، تبعاً لاحتياجات التخصص الذى يدرسون فيه، وبما يتناغم مع فكرة إعداد خريج متميز قادر على التواؤم مع احتياجات سوق العمل. أما مسألة حرمان الطالب الراسب من المجانية، فهو قول غير واعٍ بطبيعة لوائح الامتحانات داخل الجامعات المصرية بصورتها الحالية. فعدد مرات الرسوب محدد بالنسبة للطلاب الملتحقين بالفرقة الأولى بمرتين، يتم فصل الطالب بعدها، وتزيد هذه المرات بعد ذلك بالنسبة للطلاب فى السنوات المتقدمة، وما كنت تسمعه أو يسمعه أعضاء لجنة تعليم الرئاسة الموقرون من أن طالب السنة النهائية غير محدود بعدد مرات الرسوب، تم إلغاؤه بقرار أصدره المجلس الأعلى للجامعات (يونيو 2015) يقضى بفصل الطالب فى السنة النهائية حال رسوبه 4 مرات. وأظن أن الحكمة التى ساقت المشرع إلى منح الطالب الراسب فرصة للإعادة ترتبط بالحرص على مستقبل الشباب، وهى حكمة لا تظهر لدى أعضاء لجنة تعليم الرئاسة حين أوصوا بضرورة حرمان الطالب الراسب من المجانية، ومعاقبته بدفع التكلفة الحقيقية لتعليمه، وأتصور أن نسبة لا بأس بها من طلاب الجامعات الحكومية يرسبون لظروف مادية تضطرهم إلى العمل، أو تعجزهم عن الانتظام فى الدراسة بشكل يساعدهم على النجاح. وهذه التوصية -غير أنها تتناقض مع مبدأ المجانية الذى ينص عليه الدستور- تعنى قراراً بتدمير مستقبل طالب، مع عميق الأمنيات بحظ أوفر لدى «الدواعش»!.