تسببت النظرة الدونية من المجتمع تجاه المرأة فى جعلها هدفاً للعنف بشقيه المادى والمعنوى، وعلى الرغم من أن تلك النظرة جاءت نتيجة عادات وتقاليد خاطئة، وتابوهات اجتماعية قائمة على التفاوت فى النوع والملكية، وفى ممارسة الأدوار الاجتماعية وتوزيع ثمرات العمل، فإنها رسخت لما يسمى ب«الفكر الذكورى»، ما أدى لاستئثار الرجل بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ومعظم المجالات الحيوية، وأخذه بزمام السلطة على حساب المرأة، وهو ما يعرف ب«النظام الأبوى الذكورى». وأدت تلك المفاهيم الخاطئة لتفاقم جرائم «العنف الجنسى» التى تفشت فى الفترة الأخيرة فى الشارع وأماكن العمل، وكشفت دراسة حديثة أجرتها «مؤسسة المرأة الجديدة» بعنوان «نساء فى سوق العمل» عن تزايد معدلات التحرش الجنسى بالعاملات فى المصانع، واستندت إلى فيلم تسجيلى باسم «مصنع النساء» أعدته جمعية «غير مذنب» للتنمية الأسرية، عن قضية التحرش بالعاملات فى المصانع، حيث عرض الفيلم شهادات لفتيات يروين ما حدث لهن، وفقاً لما نٌشر فى كتاب بعنوان «أسرار» للدكتورة ليلى سليم الذى قام بتوثيق عشر شهادات حية لعاملات تم استغلالهن جنسياً فى أماكن العمل. العمل فى الشركات الاستثمارية «وصمة عار» رغم أنها تعمل فى إحدى الشركات الاستثمارية فإن ذلك لم يمنع عنها آفة التحرش، تقول: «أول يوم رحت أشتغل فى شركة ملابس استثمارية، لقيت كل الناس القريبة منى بتقولى، شوفى حاجة تانية غير الشركة دى، لأن سمعتها مش كويسة، قلت لهم أنا رايحة أشتغل عشان أصرف على نفسى وأكمل تعليمى فى الجامعة، وبدأت العمل لكن بشكل موسمى فى أيام الإجازات فقط، عشان أقدر أصرف على نفسى وأسرتى الفقيرة، وكان كل أملى أن أشتغل عشان أقدر أدفع إيجار حديث لشقة صغيرة ليَّا أنا وأهلى، لأن إقامتنا عند أقرباء لنا طالت جداً». وأضافت: «فى إحدى المرات وأنا فى المصنع لقيت المشرف بيقولى اخلعى النقاب ده عشان عايز أشوف شكلك، قلت له ليه حضرتك أنا جاية عشان أشتغل، هو ممنوع أن أكون لابسة نقاب فى الشغل؟ قال لى لأ طبعاً لكن أنا حابب أشوف شكلك، فرفضت وقلت له «حرام»، وبعد يومين وأنا خارجة من الشغل وفى طريقى لأركب أوتوبيس الشركة اللى كنت بركبه كل يوم لقيته راكب الأوتوبيس من بدرى، وأول ما ركبت شدنى عشان أقعد بجواره على الكرسى، ولما نهرته، قال لى لو اتكلمتى هاحط المطوة فى جنبك، وكان بيبصلى بنظرات حيوانية، كنت حاسة إنه بيقطع هدومى بنظراته، ولم يرتدع وتحرش بى فى الأوتوبيس أمام الجميع ومحدش قدر يتكلم ولا يقول أى حاجة، وكل الناس كانت واقفة وبتتفرج عليَّا». وقالت: «أنا مسكتش ضربته على وشه ونزلت أجرى على أمن الشركة وقعدت أصرخ وناديت الأمن، والموضوع كبر جداً ووصل لصاحب الشركة ولما اشتكيت له قالى انتى بتعملى شوشرة للشركة، وبعدين ده راجل كبير زى والدك خديه على قد عقله، فأدركت فى النهاية أن العاملات فى الشركات تعانى من وصمة عار وسمعة سيئة، وأن أى شاب فى المنطقة اللى أنا ساكنة فيها يرفض الارتباط بأى فتاة تعمل فى هذا النوع من المصانع والشركات دى، يعنى ولا بقى ينفع أتزوج من منطقتى ولا بقى عندى أى فرصة عمل». وأضافت أخرى أعول أسرتى وأواجه اضطهاداً من مشرف المصنع وزوجى فى البيت، فحلم الخروج للعمل تحول إلى كابوس وكانت تشعر أنها تعيش حالة من الازدواجية والضغط النفسى فى الشغل والبيت، وقالت لنا: «أحاول التوفيق بين الأدوار المطلوبة منى فى العمل وبين أدوار المنزل، فالاضطهاد بقى طبيعى من الرجل أياً أن كان موقعه، صاحب عمل أو مشرف أو زوج، أعمل منذ 26 عاماً عشان أقدر أعيش وأعلم أولادى لأن زوجى يمارس عملاً حراً، والمشرف يضطهدنى لأنى مجتهدة فى شغلى وعندى خبره كبيرة وبيحاول يضيق عليَّا بإنى مليش أى حق فى الأجازات، وزوجى بيغير من عملى وبيضربنى عشان أنا اللى بصرف على البيت وهو قاعد من غير شغل». وأضافت: «بدأت حياتى العملية وأنا عندى 15 سنةً، لما والدى اتوفى عشان أقدر أصرف على نفسى أنا ووالدتى، اتحملت المسئولية من بدرى، واشتغلت فى مصانع كثيرة جداً، ومن حوالى عام التحقت بالعمل فى شركة كبيرة وبسبب اضطهاد المشرف العام تركت الشركة ورحلت واضطررت للعمل فى مصنع صغير جداً لأننى أعول أسرتى وزوجى، يعمل شهر وعشرة أشهر قد لا يجد عملاً، وأحاول أن أعلم ولادى تعليم كويس ويعيشوا أحسن منى، بعد ما اشتغلت واجهت اضطهاد من صاحب العمل والمدير، لأننا فى قطاع خاص، ولأنى كنت رئيسة قطاع وأول واحدة آجى وآخر واحدة أمشى ومكنش ليَّا أى حقوق شخصية أو آخذ إجازة ولما مكنتش بروح كانوا بيخصمولى من المرتب، ووقتها كنت أشعر بضغط نفسى رهيب، لأنى تركت أولادى وفى النهاية يتم الخصم من راتبى». وأشارت إلى أنها عانت مرات عديدة من العنف الجسدى بعد أن تعرضت للضرب من زوجها الذى كان يشعر بالغيرة من عملها، وأنه بلا عمل فكان يفقد أعصابه ويعتدى عليها بالضرب أمام أبنائها، «لأنى بدخل مال للبيت وده كله يضاعف من العبء النفسى علىَّ فى البيت وفى العمل». وأكدت أهمية وجود قانون يحمى المرأة العاملة فى القطاع الخاص، حيث لا يوجد أى ضمان مادى أو اجتماعى لنا.