على بعد خطوات قليلة من دار القضاء العالي، وبالتحديد في شارع 23 يوليو بمنطقة وسط البلد، امتزجت أغاني العيد بأصوات الباعة المنادين على بضاعتهم، وتهاني المواطنين، وسط مناخ بهيج اعتادت عليه تلك المنطقة الحيوية التي حتى وإن نال الإرهاب من شوارعها لم يستطع النيل من علاقة المصريين بها. بخطوات متمهلة مصوبًا عينيه نحو محال الملابس والمارة في الشوارع يتأمل ليلة العيد في مشهد يبدو وكأنه لوحة مرسومة استمدت ألوانها المتناسقة من ألوان "البلالين" المزينة بها واجهات المحال المصطفة على الجانبين والمتطايرة بخيوط عالية في أيدي الأطفال، يصف محمد عمر ما يراه بهدوء "أحلى حاجة في وسط البلد شوارعها الزحمة وجمال منظرها ليلة العيد"، معبرًا بها عن حالة من الفرحة الممتزجة باللهفة لاستنشاق هواء جديد ليوم عيد تسارع دقات ساعته فرحًا بوجوده في ذلك المكان، مضيفًا أن ارتباطه الشديد مستمر بهذه المنطقة رغم حادث تفجير القنصلية الإيطالية الذي شهدته في مطلع الأسبوع الجاري الذي لم يؤثر في بهجة نزوله ذلك المكان في شيء. اعتاد المصريون على الاحتفال بليلة العيد ولكل منهم طريقته الخاصة، فيخلقون من الأزمات مناخاً للبهجة والمرح متجاهلين ما يحدث من أزمات، تتلاشى روح السياسة وتبعاتها فيما يتصدر مشهد الاحتفال بليلة العيد شوارع وسط البلد، وبين صخب الأغاني المختلفة بقدوم العيد ونداء الباعة الجائلين يسير صديقان يدور بينهما حوار هادئ بعدما استحضروا سنوات من الصداقة مرت بينهما بالرغم من اختلاف دينهم يقول الصديق الأول عماد هلال: "أنا مسيحي لكن بحب أنزل وسط البلد وأحتفل مع المسلمين ومفيش حاجة هتمنعنا من النزول إحنا شعب ما بيخافش"، كلمات قالها ذلك الرجل الذي اشتعل رأسه شيبًا ليقاطعه فؤاد محمد سعيد صديقه قائلاً: "أكيد الإرهاب مش هيمنعنا من النزول لشوارع وسط البلد، وهتفضل زي ما هي زحمة بناسها ومحلاتها وهتفضل مصر زي ما هي". خطوات قليلة فاصلة تأخذك بداخل ردهات من الحواري المجاورة للميادين المصرية العريقة، تتنشق رائحة أدخنة الشيشة التي تتجول في الهواء، يقصدها عدد من الشباب حتى يقضوا بها ليلتهم حتى بزوغ فجر جديد تمتزج فيه النسمات العليلة والتكبيرات مؤذنة بدخول أول أيام العيد، يلعبون "الطاولة" تارة و"الشطرنج" و"الدومنة" تارة أخرى وعلى أصوت الأغاني الممتزجة بالأدخنة وفي شارع شريف تحديدًا على مقهى البستان يرتفع صوت أحد الشباب، مطالبًا برفع صوت الأغاني، وعلى الجهة المقابلة من المقهى تسير الشقيقتان مها ونهى صبحي مصطحبين أبناءهم متجهين إلى أحد المطاعم الشهيرة بالمنطقة، تقول نهى: "كل عيد لازم ننزل وسط البلد نتمشى ونسهر مع بعض وناكل". "صحيح الناس مالية الشوارع بس وسط البلد العيد ده ملوش طعم ومفهوش روح كل سنة" كلمات قالها حمادة محمود، أحد البائعين بصوت يملؤه الحسرة معبرًا بها عن حال منطقة وسط البلد بعد قرارات الحكومة بإزالة البائعين، مؤكداً أن الأجواء اختلفت كثيراً عن الماضي، حتى أخذ زميله طرف الكلام منه قائلًا: "أنا مش حاسس بروح ليلة العيد زي زمان بعد ما شالوا البياعين، لكن الناس مش هتبطل تنزل رغم التفجيرات"، لم ينس البائعون الخوض في حوار سياسي حتى وإن كان قصيرًا أجله حتى انصرف أحدهما متمتماً بكلمات "ربنا يصلح حال البلد". نسيج مبهج يغزله كل من قرر الاحتفال بأجواء العيد بمنطقة وسط البلد، تكمل خيوط فرحته تلك المحال المتخصصة في بيع الملابس والمأكولات التي رُصت بضائعها مغازلة لأعين المواطنين التي صوبت تجاه بضاعتهم دون إقبال على الشراء إلا قلة قليلة منهم، مشهد وصفته ثلاث فتيات في عقدهن الثاني من العمر، وتقول أسماء علاء: "أنا نازلة أتفرج وممكن أشتري حاجة".