أوراق صغيرة خفيفة الوزن نسبيا، داخل إطار أخضر أو أزرق اللون، ملفوفة حول قدم طائر ذكي وسريع، يعرف طريق موطنه بدقة شديدة وذاكرة نادرة، تسافر تلك الأوراق من الشمال للجنوب أو من الجنوب للشمال، لتستقر تلك الأوراق على ظهر فرس أو على سطح منزل، وتحمل معها رسائل لشخص ما. "الحمام الزاجل" الذي ظهر في أكثر من مسلسل خلال الأعمال الدرامية في شهر رمضان الحالي، مثل "العهد" و"ألف ليلة وليلة"، ويعتبر الحمام الزاجل أول وكالة أنباء في العالم قديما، حيث كان يستخدم قديما في الحروب والثورات لتوصيل المعلومات والبيانات الهامة، ونقل الأخبار للعواصم والأمصار، إضافة إلى استخدامه في السباقات ك"رياضة قديمة". * قدرات الحمام الزاجل: يعرف هذا النوع من الحمام، بأنه سيد الحمام في العالم دون منازع، ويتميز بمهارة تكتيكية وأداء عالي، حيث لديه قدرة فريدة على العودة إلى موطنه، لما لديه من غريزة حب لموطنه والعودة إليه، حتى وإن ابتعد لمسافات شاسعة، يزيد على ذلك قدرته الطبيعية على رسم خارطة المجال المغناطيسي للأرض، ويستعين بها للعودة إلى وطنه، على عكس الخطأ الشائع عن استخدامه لحاسة الشم لتحديد مساره أثناء الطيران. يتميز بألوانه البيضاء والسوداء والزرقاء السماوية المشوبة الحمرة أو البني الفاتح، ومن الجانب يكون قوسا عن مؤخرة الرأس إلى نهاية المنقار الذي كان يُنقش عليه أسماء حُكام البلاد، حتى يعرفون من أين أتت الرسالة التي يحملها الطائر، إضافة إلى أن ريشه صلب ومتلاصق وأجنحته قصيرة وعريضة، بعين حمراء أو زيتيه يحوطها هالة بيضاء. * تاريخ الحمام الزاجل: استخدم الحمام الزاجل لأول مرة عام 24 قبل الميلاد لأغراض حربية، عندما حاصرت جيوش القائد الروماني مارك أنطونيو، قوات القائد بروتس، في مدينة "مودلينا"، إلا أن أوكتافيوس الثالث كان على اتصال دائم مع بروتس للاطلاع على صموده من الحصار من خلال الحمام الزاجل. استخدم العرب الخيل وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول، ك"بريد" لتوصيل الأخبار إلى مراكز الخلافة، وكان لا بد من وسيلة أكثر كفاءة وسرعة مع اتساع رقعة الإسلام والخلافة وزيادة الحروب والفتوحات، ومع كثرة الفتن وازدياد مصادر الدولة الإسلامية. ولأن الحمام الزاجل يتميز بالسرعة الفائقة والسهولة في إعادة نقله إلى الأماكن التي ستطلقه مرة أخرى، وانخفاض تكاليف تربيته قياسا بالخيل والأبل، وتكاثره السريع وطيرانه دون احتياج مرشد أو دليل، إضافة إلى دقته في الوصول إلى أهدافه بدقة. لذلك اعتبر العرب من أوائل الأمم التي عرفت واستخدمت الحمام الزاجل، واهتمت بأنسابه ووضعت كتب ومجلدات ودراسات عن أهمية الحمام الزاجل، وعن الأمراض التي قد تصيبه وعن تدريباته في الطيران، وظهر في عصر العباسيين وتطور الفاطميين هذا النوع من الحمام، للتغلب على إمكانية وقوعه في أيدي العدو، باستحداث رسائل مرموزة "مشفرة" لا يستطيع العدو التوصل لمعناها. ويروى أن المعتصم علم بانتصار جيشه على بابك الخرمي، عن طريق الحمام الزاجل، ووصل ثمن الطائر منه إلى 700 دينار وقتئذ، غير أن بيعت حمامه في خليج القسطنطينية من هذا النوع بألف دينار. يعود الفضل للعرب في اكتشاف قدرات الحمام الزاجل الخارقة، منذ عهد الدولة العباسية، فكتب التاريخ أن العرب استخدموه في بغداد والأندلس، واستخدم رسميا في نقل البريد عام 1150 في بغداد، وبعد ذلك استخدم في نقل الرسائل والحربية، وفي حالات الحصار والثورات، واستخدم أثناء الحملة الصليبية على بيت المقدس، وفي الحرب الفرنسية عام 1871، حيث نشر 150 ألف رسالة وقتها. وكان يقطع آلاف الأميال يوميا في اتجاهات مختلفة في الدولة الإسلامية، حيث أقامت الدولة سلسلة أبراج مجهزة لاستقبال الحمام، تساعده على الطيران، ويبعد الواحد منها عن الأخر نحو 50 ميلا. توالى الحمام الزاجل نقل أسماء الفائزين في أول دورة للألعاب الأولمبية، غير أن الجيش الأميركي أنشأ غرفة عمليات لهذا النوع من الحمام، على غرار ما أتبع في الجيش الألماني عام 1978، وأثبتت الدراسات أن نسبة استخدام هذا النوع من الحمام خلال الحرب العالمية الثانية لأغراض توصيل المعلومات بنسبة 99%. * أنواع الحمام الزاجل: هناك أنواع وأشكال كثيرة للحمام الزاجل، مثل الحمام الهندي والتركي والبخاري والروماني والنفاخ والكويتي والمصري والبلجيكي والمفتل واللماع والأمريكي والهزاز، الذي يتميز بذيله الذي يشبه المروحة، ونوع آخر يسمى الرقاص لمشيته الراقصة على إيقاع السامبا. لُقب الحمام الزاجل ب"رسول فوق العادة"، لأنه لا يعرف أخطاء موظفي البريد، ولا يتأخر في إيصال الأخبار والمعلومات، وأنه أسرع وسيلة مراسلة من زمن بعيد، إضافة إلى مركز أول وكالة أنباء قديما على مستوى العالم.