يشهد الأردن منذ ليلة أمس احتجاجات وأعمال شغب شملت اعتداءات على مباني ومؤسسات حكومية ومراكز أمنية أوقعت إصابات بعد قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات في بلد قارب عجز موازنته خمسة مليارات دولار. وحذرت الحركة الإسلامية المعارضة من "عصيان مدني" في البلاد بعد قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات. ويأتي قرار رفع أسعار المشتقات النفطية قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات النيابية المقررة في 23 يناير المقبل، والتي يأمل الأردن أن تشكل نقطة تحول سياسية تاريخية في المملكة. ورأى زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أن قرار رفع الأسعار "شكل ضربة قاسية جدا للانتخابات التي باتت على كف عفريت". وتقاطع الحركة الإسلامية الانتخابات المقبلة احتجاجا على قانون الانتخاب وتطالب بحكومات منتخبة، فيما ينص الدستور حاليا على أن يعين الملك رئيس الوزراء. ودعت نقابة المعلمين إلى إضراب قرابة 120 ألف معلم ومعلمة في مدارس المملكة ردا على "قرار الحكومة الجائر وغير المسؤول برفع الأسعار والاعتداء على جيوب المواطنين وانتهاج سياسة افقار الشعب وتجويعه". وقال حسن المومني، عضو في النقابة، إن "نحو 50% من مدارس المملكة اي حوالى 2000 مدرسة التزمت بالقرار". وأضاف "إنه إضراب عام مفتوح لحين تراجع الحكومة عن قرار رفع الأسعار". كما أعلنت نقابة المحاميين التوقف عن المرافعات أمام المحاكم. وتستعد نقابات عمالية أخرى لاتخاذ خطوات مشابهة، فيما أعلن عدد من المجموعات الشبابية والحركة الإسلامية النية في تنظيم تظاهرات تصعيدية في مختلف مناطق المملكة. واعتبر بني ارشيد أن "قرار رفع الأسعار مؤلم بلا شك وتداعياته (ستكون) قاسية وحادة جدا"، مشيرا إلى أنها "ربما تتطور لحد الوصول إلى عصيان مدني". وأكد أن "الأردن دخل في أزمة قاسية وحادة وصعبة جدا نتيجة غياب التفاهم والحوار الوطني والتوافق الوطني وأزمة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة جميعها". إلا أنه رأى أن "هذه الازمة قد تكون مفتاح او بوابة للعودة الى الحوار الوطني والاصلاحي ومدخل ذلك تأجيل الانتخابات والعودة الى التفاهم حول الحالة السياسية وقانون الانتخابات". واعتبر بني ارشيد أن "الأزمة وضعت النظام السياسي في ممر إجباري: أما أن يصلح أو سيدفع كلفة عالية ربما تكون مفاجئة للجميع". من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، أن "رفع الأسعار سيلقي بظلال كئيبة وكثيفة على المشهد الانتخابي الأردني هذا إن جرت الانتخابات في موعدها المحدد"، مشيرا إلى أن هناك "ثمة احتمالات لمفاجآت". وقال "ما جدوى إجراء انتخابات إن كانت الحكومات لا تصغي لنبض الشارع ولاحتياجات الناس ومعاناتهم". وأضاف "ما الحاجة للانتخابات إن لم يكن الشعب هو من يصنع حكوماته في نهاية المطاف ويحاسبها ويحملها المسؤولية". وقررت الحكومة الأردنية مساء الثلاثاء، رفع أسعار المشتقات النفطية بنسب متفاوتة تراوحت بين 10% و53% لمواجهة عجز الموازنة للعام الحالي في بلد يستورد معظم احتياجاته النفطية ويعتمد اقتصاده على المساعدات الخارجية. وبعد نحو ساعة من القرار، اعتصم نحو الفي شخص في دوار الداخلية وسط عمان وهم يهتفون "اللي بيرفع بالأسعار بدو بلدنا تولع نار" و"يا نسور ارحل ارحل" في إشارة إلى رئيس الوزراء عبد الله النسور. واضطر رجال الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق هؤلاء المعتصمين الذين اعتقلت قوات الأمن 24 شخصا منهم، بحسب مصدر أمني. وسرعان ما امتدت الاحتجاجات وأعمال الشغب إلى مدن أردنية أخرى مثل اربد والرمثا والمفرق (شمال) والكرك ومعان (جنوب) بمشاركة آلاف الأشخاص، قام بعضهم بإغلاق الطرق بإطارات مشتعلة والاعتداء على مباني ومؤسسات حكومية ومراكز أمنية. واضطرت قوات الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين في عدد من المدن. وقالت مديرية الأمن العام في بيان لها، إن أعمال الشغب أدت إلى إصابة 14 شخصا، بينهم 10 من رجال الأمن بعيارات نارية، إثر اعتداء متظاهرين غاضبين على مراكز أمنية في اربد (89 كلم شمال) ومباني رسمية في السلط (30 كلم شمال-غرب). واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق محتجين غاضبين قرب منزل رئيس الوزراء عبدالله النسور بمدينة السلط. وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب مقاطع فيديو تظهر إحراق صورة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في لواء ذيبان (جنوب) وسط هتاف لعشرات الشبان "الشعب يريد إسقاط النظام". وأظهرت بعض المقاطع سيارات تابعة لدوائر رسمية محترقة في الرمثا والسلط.