أدرك تنظيم داعش الإرهابى أن منطقة الشرق الأوسط تعوم على جبل من الرمال المتحركة تزيده هشاشة الفتن الطائفية، والصراع المذهبى، والاستبداد والفقر والبطالة، والانهيار السياسى والفوضى، واستغل كل ذلك فى مخاطبة تنظيمات كانت مدفونة وسط هذه الرمال لإعادتها مرة أخرى للحياة على سطح الأرض، وتغذيتها بالدعم المادى والعسكرى، وكل ذلك حتى يقدم نفسه للعالم على أنه «أيقونة» إفساد مخطط «سايكس - بيكو». يسعى التنظيم إلى كسر الحدود، وتوحيد الدول، لإقامة دولة «الخلافة»، وفقاً لمزاعمه وكتبه والفيديوهات والبيانات التى ينشرها ويروّج لها، ولا يكتفى بالقتال فى سورياوالعراق، بل يجذب جماعات كانت توالى تنظيم القاعدة فيضمها إلى صفوفه، لإثبات هيمنته على التنظيمات المتطرفة حول العالم، وإنهاء «القاعدة»، ولضمان إشغال الدول الساعية إلى حربه بالدفاع عن نفسها وداخل أراضيها. يقول «بيل بارك»، المحلل الدولى لشئون الجماعات المتطرفة، فى إحدى دراساته المنشورة فى بريطانيا، إن التنظيم أشبه بالصلصال، كلما حاولت الضغط عليه من جانب، يظهر من جانب آخر. ولعل الفيديو الشهير الذى أصدره التنظيم لمجموعة من مقاتليه وهم يقطعون جوازات سفرهم ويستبدلونها بجوازات مكتوب عليها «دولة الخلافة الإسلامية» خير شاهد على مساعى «داعش» للإعلان عن نفسه ككيان موجود ودولة لا تعرف الحدود تغزو الشرق والغرب. ووفقاً للعدد الثانى من مجلة «دابق»، «الداعشية»، فإن التنظيم لم يعد يفرق بين الدول الغربية (العدو البعيد)، والدول العربية (العدو القريب)، وبات يُكفّر حكام العالم دون استثناء، وباتت له استراتيجية مختلفة فى كل دولة له عناصر فيها، أو يسعى لتشكيل خلاياه من «الذئاب المنفردة» داخلها، ففى أمريكا يعتمد على مخاطبة الجمهور الأمريكى المضطهد، نتيجة العنصرية فى بعض الولايات، واهتم بتوجيه خطابه ل«السود» فى أمريكا، لتشكيل كيانات وخلايا عنقودية، ظهر تأثيرها من خلال عدة عمليات، منها ما استهدف مؤخراً معرضاً للرسوم. وفى فرنساوبريطانيا، يعتمد التنظيم على المهاجرين العرب والأفارقة من الجيل الثانى والثالث الذين يشعرون بحالة من الاغتراب والعنصرية فى الدول الأوروبية، إضافة إلى أن بريطانيا، على سبيل المثال، كانت محضناً لقيادات السلفية الجهادية منذ السبعينات، لدرجة أن المسئولين الغربيين، أصبحوا يسمونها «لندنستان»، لكثرة أعداد الشخصيات البارزة من السلفية الجهادية المقيمة فى ضواحى لندن. ويقول «جون بيار فيليو»، المؤرخ المختص فى تاريخ الشرق الأوسط، إن التنظيم عبارة عن مجموعة من الشبكات المترابطة، ذات التسلسل الهرمى للقيادة، فهناك دائماً من يعطى الأوامر فى جميع مناطق سيطرته، ويكون عادة على اتصال بالقيادات المركزية فى سورياوالعراق، والمبدأ الأساسى للتنظيم هو مركزية اتخاذ القرار ولامركزية التنفيذ، وهو ما يترك المجال للأفراد والمجموعات المسلحة المبايعة للتنظيم، فى كل أنحاء العالم، للارتجال وتطبيق مخططاته بأى طريقة متاحة لهم، لذلك فإن خطر التنظيم بات يتجاوز الرقعة الجغرافية المحدودة التى يسيطر عليها بين سورياوالعراق، وقد وصل بالفعل للكثير من الدول الأوروبية من خلال تنفيذ عمليات مسلحة، إضافة إلى عمليات تجنيد المقاتلين الذين يقدر عددهم ب5 آلاف مقاتل، منتشرين بين سورياوالعراق، من مختلف الجنسيات الأوروبية. ولم يكتف التنظيم باحتلال رقعة واسعة من أراضى سورياوالعراق منذ يونيو 2014، فقد سيطر على الجنوب واتخذ من الرقة فى سوريا معقلاً، بالإضافة إلى الموصل فى العراق وأتبع ذلك بالسيطرة على تدمر والحدود السورية العراقية، ونظيرتها السورية الأردنية، ووسّع من نفوذه بشكل كبير خلال عام من إعلان قيام دولته فى سورياوالعراق، وتزايد هذا النفوذ بدعم بعض الجماعات الإرهابية الأخرى، وإعلانهم الولاء له، وهو ما ساعده على تنفيذ عدة هجمات فى جميع أنحاء العالم.