فى ذكرى الانتصار العظيم، يبقى التاريخ شاهدًا بكل الفخر على بطل من الأبطال الذين عزفوا أنشودة النصر، هذا البطل الذي سطر ورفاقه بحروف من النور ملحمة العبور العظيم، إنه رئيس أركان حرب القوات المسلحة في معركة التحرير. "أنا واثق إن مصر وليس السادات سوف تكرمني في يوم من الأيام بعد أن تعرف حقائق وأسرار حرب أكتوبر، ليس التكريم هو أن أمنح وسامًا في الخفاء، ولكن التكريم هو أن يعلم الشعب بالدور الذي قمت به، سوف يأتي هذا اليوم مهمًا حاول السادات تأخيره ومهما حاول السادات تزوير التاريخ".. بهذه الكلمات تحقق اليوم الذي تنبأ به الفريق سعد الدين الشاذلي. اختارت القوات المسلحة المصرية، ذكرى حرب رمضان المجيدة ليعيد للشاذلي الاعتبار تقديرًا لدوره في ذلك النصر باعتباره العقل المدبر للهجوم المصري الناجح على خط بارليف الإسرائيلي الحصين في حرب أكتوبر، واستحداثه أساليب قتالية جديدة. الفريق سعد الدين الشاذلي، يعد واحدًا من أبرز القيادات المهمة في تاريخ العسكرية المصرية الحديثة، لم يجد تقديرًا عسكريًا سواء من الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أودعه السجن دون محاكمة أو سلفه أنور السادات الذي قام بنفيه خارج الوطن. ولد سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي، بقرية شبراتنا التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية في دلتا النيل في الأول من أبريل 1922، والتحق بالكلية الحربية في فبراير 1939، وكان أصغر طالب في دفعته كان عمره وقتها 17 سنة، وتخرج برتبة ملازم في يوليو 1940. انتدب الشاذلي، للخدمة في الحرس الملكي من 1943 إلى 1949، وشارك في حرب فلسطين عام 1948 ضمن سرية ملكية مرسلة من قبل القصر، وانضم إلى الضباط الأحرار عام 1951. بدأت علاقته بجمال عبدالناصر قبل ثورة 23 يوليو، وكانت بينهم علاقات أسرية، وبالإضافة إلى كونهم ضباط مدرسين في مدرسة الشؤون الإدارية، وعندما فاتحه عبدالناصر عن الضباط الأحرار في 1951، رحب الشاذلي بالفكرة وانضم إليهم ولكنه لم يشارك في ليلة 23 يوليو 1952 بشكل مباشر كونه كان في دورة في كلية أركان الحرب. أسس أول قوات مظلية في مصر عام 1954، وشارك في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كما شارك في حرب اليمن كقائد للواء مشاة بين عام 1965، وعام 1966 وشكل مجموعة من القوات الخاصة عام 1967 عرفت فيما بعد باسم "مجموعة الشاذلي". اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وفي 16 مايو 1971، عينه السادات رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة متخطيًا حوالي 40 لواء من الألوية الأقدم منه بهذا المنصب. خطة المآذن العالية، كانت نقطة أظهرت تميزًا نادرًا للفريق الشاذلي وقدرته الكبيرة على القيادة والسيطرة والمناورة بقواته خلال حرب أكتوبر العظيم، وضع الشاذلي هذه الخطة للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس، وكانت فلسفتها تقوم على أن لإسرائيل مقاتلين، الأول عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية والثاني إطالة مدة الحرب، فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة. وفي يوم 6 أكتوبر 1973 وفي الثانية وخمس دقائق ظهرًا بتوقيت القاهرة، شن الجيش المصري هجومًا كاسحًا على إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة "المآذن العالية"، التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح غير متوقع، لكن وقع خلاف بعد ذلك بينه وبين السادات بشأن الثغرة. وفي 13 ديسمبر 1973 وفي قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات، وتعيينه سفيرًا لدي بريطانبا ثم البرتغال. وفي عام 1978 انتقد الفريق الشاذلي، بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية، وهاجم الرئيس أنور السادات واتهمه بالديكتاتورية واتخذ القرار بترك منصبه سفيرًا لدي البرتغال والذهاب إلى الجزائر كلاجئ سياسي. وفي الجزائر، كتب مذكراته عن الحرب اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغمًا عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى التسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقتها وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت ال3 أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه السادات بإساءة استعمال سلطاته. وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيًا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من حقوقه السياسية. عاد الشاذلي عام 1992م إلى الوطن بعد 14 عاماً قضاها في المنفى بالجزائر، وقبض عليه فور وصوله مطار القاهرة، وجرد من جميع الأوسمة والنياشين، وجهت له تهمتان الأولى نشر كتاب بدون موافقة مسبقة، والثانية إفشاء أسرار عسكرية في كتابه. وأنكر الشاذلي صحة التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست عسكرية، وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم أن القانون المصري ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لا بد أن تخضع لمحاكمة أخرى. وتوفي البطل الشاذلي عن عمر بلغ 89 عامًا قضاها في خدمة وطنه بكل كفاءة وأمانة وإخلاص قبل تنحي مبارك وسقوط نظامه بيوم واحد فقط 10 فبراير 2011، لتمتلئ وقتها ميادين مصر بالثوار الذين يطالبون بسقوط مبارك حيث رفعوا صورا للشاذلي مطالبين بتكريمه.