يعتبر الفريق سعد الدين الشاذلي، من أبرز جنرالات مصر في حرب أكتوبر، فهو صاحب خطة اقتحام خط بارليف، وعلى الرغم من العقلية العسكرية الفذة التي كان يتمتع بها، إلا أنه اختلف مع الرئيس محمد أنور السادات حول إدارة العمليات العسكرية، فعزله من الخدمة العسكرية، وخرج من مصر لاجئا إلى الجزائر، وتعرض بعد ذلك للظلم من الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك حتى انتهى مشواره إلى السجن. وصفوه ب"العقل المدبر" لحرب أكتوبر، فهو صاحب خطة "المآذن العالية" التي أتاحت للجيش المصري العبور وتحقيق النصر، ورغم عبقريته العسكرية وأياديه البيضاء، إلا أنه القائد العسكري الوحيد في حرب أكتوبر الذي لم تكرمه الدولة في حياته، بل سجنوه وشوهت صورته بالخيانة. وبعد وفاة الفريق "سعد الدين الشاذلي" لم ينطفئ نجمه يوما، وإن عانى الانزواء والتجهيل في سنين عمره الأخيرة، ومحاولة طمس اسمه من التاريخ، وتشويه صورته في عيون جيل أكتوبر والأجيال اللاحقة، إلا أن التاريخ يأبى ألا يرد للشرفاء اعتبارهم، وإن واراهم الثرى. سعد الدين الشاذلي هو رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، في الفترة ما بين عام 1971 و1973، عمل كسفير سابق لفترة، ويوصف بالعقل المدبر للنصر المصري الساحق في حرب أكتوبر عام 1973، وهو الذي خطط لعبور خط الدفاع الإسرائيلي، "بارليف". تدرج في عدة مناصب، هي: مؤسس وقائد أول فرقة قوات مظلية في مصر، وقائد أول قوات عربية "قائد كتيبة مصرية" في الكونغو، كجزء من قوات الأممالمتحدة، وملحق عسكري في لندن، وقائد لواء المشاة "شارك في حرب اليمن"، وقائد القوات الخاصة "المظلات والصاعقة"، وقائد لمنطقة البحر الأحمر العسكرية، ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة المصرية، وسفير مصر في بريطانيا، وسفير مصر في البرتغال. الشاذلي من مواليد قرية "شبراتنا" بمركز بسيون بمحافظة الغربية، التحق بالكلية الحربية في فبراير 1939، تخرج برتبة ملازم في يوليو 1940، وتم انتدابه للخدمة في الحرس الملكي من عام 1943 إلى 1949. شارك في حرب فلسطين عام 1948، وانضم للضباط الأحرار عام 1951، وأسس أول قوات مظلية في مصر عام 1954، وفي الدفاع ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وفي حرب اليمن كقائد للواء مشاة، وشكّل بعد ذلك مجموعة من القوات الخاصة عرفت باسم "مجموعة الشاذلي" عام 1967. سطع نجم "الشاذلي" لأول مرة في الحرب العالمية الثانية في 1941، عندما واجهت القوات المصرية والبريطانية القوات الألمانية في الصحراء الغربية، وحتى بعد صدور أوامر للقوات المصرية والبريطانية بالانسحاب، استمر "الشاذلي" ليدمر المعدات الثقيلة المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدمة . اتخذ "الشاذلي" قرارا جريئا في نكسة 1967، بعد انقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية، فأمر "مجموعة الشاذلي" بالعبور للحدود الدولية قبل غروب يوم 8 يونيو، وتمركز بقواته داخل أراضي فلسطينالمحتلة والتي يسيطر عليها العدو الإسرائيلي، بحوالي خمسة كيلو متر، وبقي هناك يومين إلى أن أمرته القيادة المصرية بالعودة، بعد رجوع الاتصال، استطاع "الشاذلي" أن يقطع أرض سيناء كلها دون أي دعم جوي، وبقليل من المؤن، ونجح في العودة بكامل معداته للجيش المصري سالما، وكان آخر قائد ينسحب من سيناء. تم تعيينه قائدا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وبعد تنصيب الرئيس أنور السادات رئيسا لمصر، تم تعيين "الشاذلي" رئيسا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، وقال "الشاذلي" عن ذلك أنه كان هذا نتيجة ثقة الرئيس السادات به وبإمكانياته، ولأنه لم يكن الأقدم والمؤهل من الناحية الشكلية لقيادة هذا المنصب، ولكن ثقته في قدراته جعلته يستدعيه، ويتخطى حوالي أربعين لواء من الألوية الأقدم منه في هذا المنصب. حدثت خلافات بين "الشاذلي" ووزير الحربية محمد أحمد صادق عن خطة تحرير سيناء، وطلب "الشاذلي" أن ينفذ عملية هجومية في حدود إمكانيات الجيش، تقضي باسترداد من 10 إلى 12 كم في عمق سيناء، وإثر ذلك أقال "السادات" الفريق صادق وعين المشير أحمد إسماعيل خلفا له كوزير للحربية. لم تكن علاقة "الشاذلي" وإسماعيل طيبة، فكان بينهما خلافات منذ 1960، ووضع "الشاذلي" رغم ذلك خطة لاقتحام قناة السويس سماها "المآذن العالمية"، وكانت تتضمن عبور القناة وتدمير خط بارليف وتحرير من 10 ل 12 كيلو متر شرق القناة، واعتمدت الخطة على قلة عدد الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة، وإطالة مدة الحرب، وتم تنفيذ الخطة بنجاح ساحق بالتعاون مع القيادة العسكرية السورية. رفض "الشاذلي" خطة تطوير الهجوم متوقعا له الفشل، وهو ما حدث بالفعل حيث استعدت القوات الإسرائيلية لعبور القناة والمعروف باسم "الغزالة"، وحاصرت القوات المصرية الموجودة شرقها، وخسر الجيش المصري 250 دبابة، ورفض "السادات" سحب ما تبقى من تلك القوات مرة أخرى إلى الغرب وأصبح الجيش المصري مكشوفا، فيما عرف ب "ثغرة الدفرسوار". واكتشفت طائرة استطلاع أمريكية هذه الثغرة، وتسلل الجيش الإسرائيلي من خلالها ووصل إلى طريق "السويس – القاهرة"، وطلب "الشاذلي" سحب 4 ألوية مدرعة من الشرق للغرب لزيادة الخناق على الجيش الإسرائيلي والقضاء عليه نهائيا بمساعدة الطيران المصري، وتدمير الثغرة نهائيا، لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا خطة الشاذلي، وهنا انتهت مسيرته في العمل العسكري في قمة نجاحه، وتم تسريحه من الجيش في 13 ديسمبر 1973. عينه "السادات" سفيرا لمصر في إنجلترا، ثم البرتغال، وانتقد "الشاذلي" بشدة معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل، وترك منصبه وذهب للجزائر كلاجئ سياسي. وكتب عن مذكراته في الحرب واتهم "السادات" باتخاذ قرار خاطئ سبب الثغرة، واتهمه بالتنازل عن النصر وسحب القوات المصرية لغرب القناة، وأنهى كتابة ببلاغ للنائب العام يتهم فيه "السادات" بإساءة استعمال سلطاته. حوكم "الشاذلي" غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وحكم عليه بالسجن 3 سنوت مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانوني وجردوه من حقوقه السياسية. وعاد إلى مصر عام 1992، وتم القبض عليه فور وصوله لمطار القاهرة، وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين، وأجبر على السجن دون إعادة المحاكمة. وتوفي المهندس سعد الدين الشاذلي يوم الخميس 10 فبراير بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، عن عمر بلغ 88 عاما، وجاءت وفاته تزامنا مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتم تشييع جنازته عسكريا بعد صلاة الجمعة الموافق 11 فبراير 2013، وكانت في نفس يوم إعلان عمر سليمان نائب الرئيس السابق، تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية. بعد وفاته بأسبوعين، أعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة نجمة سيناء لأسرة "الشاذلي"، ولازال شعب مصر يتذكر في الذكرى الثانية لرحيله، دور هذا القائد العظيم في خدمة الوطن بتفاني وإخلاص.. رحم الله الفريق سعد الدين الشاذلي.