فى الوقت الذى بات فيه الجدل أوسع نطاقاً عما مضى بين الخبراء والمتخصصين فى العمل المصرفى والأحزاب السياسية حول الاختلاف بين البنوك الإسلامية والتقليدية وكذا التباين الفقهى من حيث الحلال والحرام، أشارت بعض الدوائر الرسمية المحلية كما جاء على لسان الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، إلى أن الحكم الشرعى فى فوائد البنوك على الودائع والاقتراض حلال، وقوله بأن الربا يقع فى الفضة والذهب فقط، فيما أجمعت المؤسسات المصرفية الدولية ومجامع فقهية على مستوى العالم الإسلامى بأنها لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ذلك الصراع الدائر بين البنوك فيما يمكن تشبيهه بحرب «الحلال والحرام» لجذب أكبر قاعدة ممكنة من تعاملات المواطنين المالية استنادا على عاملى «الترغيب» و«الترهيب» للجنة والنار، دفع «الوطن» لإلقاء نظرة عن قرب على القوائم المالية للبنوك الإسلامية العاملة فى مصر، ورغم أنها لا تشمل تلك التفاصيل الدقيقة لكافة العمليات المصرفية، فإنها أكدت ضخ استثمارات بمليارات الجنيهات فى أدوات الدين الحكومية -التى أكدت المجامع الفقهية أنها غير متوافقة مع أحكام الشريعة- وتحصل على سعر فائدة مرتفع وثابت فى المقابل، وبتحليل تلك الأرقام المستثمرة فى أدوات الدين ذات العائد الثابت اتضح أنها تمثل نسبا مرتفعة من إجمالى أصول تلك البنوك ووصلت فى بعض الحالات إلى 30%، إلا أن البنوك الإسلامية وهيئات الرقابة الشرعية لديها فى مصر ترى أنها مضطرة للاستثمار فيها لتوظيف فوائض السيولة حتى تُطرح أدوات بديلة من منطلق القاعدة الفقهية التى تقول «الضرورات تبيح المحظورات». ومن واقع القوائم المالية للبنوك الإسلامية الثلاثة وهى «فيصل الإسلامى»، «البركة - مصر»، و«الوطنى للتنمية»، تكشف «الوطن» قيام تلك البنوك باستثمار مبالغ ضخمة من أموال المودعين فى أدوات دين حكومية أو «الأوراق الحكومية» كما يسميها البعض، وتتركز أغلبها فى أذون الخزانة التى تعتمد عليها الدولة فى تمويل عجز الموازنة العامة، وتحصل فى مقابل تلك الاستثمارات على فائدة ثابتة محددة مسبقا تصل إلى 15% على بعض الآجال، فيما تدفع فى المقابل عائدا متغيرا لعملائها. ووفقا للقوائم المالية المتاحة لتلك البنوك على مواقعها الإلكترونية فإن نسبة استثماراتها فى الأوراق الحكومية مقابل إجمالى الأصول بلغت 28% فى البنك الوطنى للتنمية «أبوظبى الإسلامى - مصر» بنهاية سبتمبر الماضى، و22.7% فى «البركة - مصر» بنهاية العام المالى الماضى، و30.2% فى بنك «فيصل الإسلامى» بنهاية يونيو. ورغم وعود بنك أبوظبى الإسلامى وقت دخوله السوق المصرية عبر الاستحواذ على «الوطنى للتنمية» فى 2007، بالتحول الكامل إلى المصرفية الإسلامية بنهاية 2012، قام بزيادة استثماراته فى «أذون الخزانة» -إحدى أدوات الدين الحكومية- بنسبة 417.7% لترتفع من 708.4 مليون جنيه فى ديسمبر 2007 إلى 3.667 مليار جنيه بنهاية سبتمبر الماضى. «فى رأينا أن العقود والعمليات والمعاملات التى أبرمها البنك خلال السنة المنتهية فى 31 ديسمبر 2011 تمت وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية»، كانت إحدى الفقرات التى تضمنها تقرير هيئة الرقابة الشرعية لبنك «البركة - مصر» فى تقرير العام المالى الماضى، رغم أن البنك رفع استثماراته فى الأوراق الحكومية خلال تلك الفترة بنسبة 531.1%، لترتفع من 535 مليون جنيه فى ديسمبر 2010 إلى 2.841 مليار جنيه فى ديسمبر الماضى، كما قام بنك فيصل الإسلامى بزيادة أمواله المستثمرة فى الأوراق الحكومية بنسبة 79.4%، خلال 6 أشهر، لترتفع من 6.354 مليار جنيه فى ديسمبر 2011 إلى 11.402 مليار جنيه فى يونيو الماضى. أشرف الغمراوى، الرئيس التنفيذى لبنك «البركة - مصر»، قال إن البنوك تتجه للاستثمار فى أدوات الدين الحكومية لتوظيف فوائض السيولة الموجودة لديها فى ظل ضعف فرص التوظيف والتمويل، وليس من منطلق «الحلال والحرام»، مشيراً إلى أن السياسة التى يتبعها مصرفه تتبنى ضخ التمويل للمنشآت بهدف التنمية الاقتصادية والمجتمعية، قائلا: «هدفنا الأكبر خلق المزيد من فرص العمل». وأضاف الغمراوى فى تصريحات خاصة ل«الوطن»: «نأمل فى المزيد من الاستقرار خلال الفترة المقبلة التى تكفل تهيئة المناخ للاستثمارات وطرح المشروعات، لافتا إلى أن تمويل عجز الموازنة العامة للدولة ليس هدف البنوك، مطالبا بطرح المزيد من أدوات التمويل حرصا على التنوع لتوظيف السيولة الموجودة بالجهاز المصرفى، لافتا إلى أن طرح الصكوك الإسلامية تجربة ناجحة وستصب فى صالح تقليص عجز الموازنة العامة للدولة وتوفير السيولة للمشروعات التنموية من ناحية وتوظيف فوائض البنوك من ناحية أخرى. من جانبه قال عبدالحميد أبوموسى محافظ بنك فيصل الإسلامى: «المصرفيون لا يحللون أو يحرمون بينما هى مهمة الفقهاء»، مشيراً إلى أن مصرفه ملتزم تماما بكل ما تقره الهيئة الشرعية التى تراقب كافة العمليات المصرفية التى يقوم بها «فيصل الإسلامى». الدكتور طارق شعلان رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب النور، قال إن البنوك الإسلامية فى مصر متوافقة مع الشريعة على الورق فقط، ولا يمكن الحكم على معاملاتها المصرفية فى السوق المحلية على أنها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بالمعنى العلمى الدقيق. وأضاف: هناك بنوك إسلامية بالمعنى الصحيح وهى تلك التى تتفق كافة أعمالها المصرفية مع أحكام الشريعة الإسلامية، فيما تحمل البنوك فى مصر لافتات على واجهاتها تحمل المسمى الإسلامى للتمويل إلا أنها تزاول أنشطة مصرفية مخالفة لأحكام الشريعة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وأضاف أن استثمار البنوك الإسلامية فى مصر فى أذون الخزانة الحكومية لا يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية حسب ما اتفقت عليه كافة المؤسسات التى تعمل فى مجال التمويل الإسلامى على مستوى العالم والمجامع الفقهية، مشيراً إلى أن الفقهاء أجازوا إجراء معاملات ربوية على سبيل المثال بنسب معينة لأنها المعاملات الغالبة على مستوى العالم وأن البنوك الإسلامية ليست بمعزل عنها، أو إذا كانت البنوك الإسلامية مضطرة إلى الاستثمار فى أدوات لا تتفق مع أحكام الشريعة، مستشهدا بالآية الكريمة «فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه»، لكن ضخ استثمارات كبيرة فيها ونموها بمعدلات ضخمة وتمويل مؤسسات تقوم على أنشطة مخالفة للشريعة ليس من التمويل الإسلامى فى شىء. وأضاف: «نحن لن نخترع العجلة من جديد»، فهناك أطر ومعايير عالمية معروفة ومؤسسات إسلامية تقوم على تطبيقها مثل «الراجحى» و«إتش إس ى سى - أمانة»، وتحدد معنى البنك الإسلامى وكيفية تطهير الأموال والنسب المقبولة كما تتضمن تلك المعايير آليات للتنفيذ والرقابة العالمية. وأضاف أن من بين الأسباب التى أدت إلى تفريغ البنوك الإسلامية من مضمونها، عدم وجود قوانين وتشريعات تنظم عملها فى مصر، بخلاف غياب الرقابة المتخصصة من قبل البنك المركزى، بالإضافة إلى فتوى الأزهر التى أحلت كافة تعاملات البنوك العاملة فى السوق المحلية، مؤكدا أن من يجيز التعاملات الربوية عليه تحمل وزرها وحده، لكن ينبغى على متخذ القرار أن يطرح الأطر التشريعية والقانونية التى تتيح بدائل التمويل الإسلامى مثل صكوك التمويل الإسلامى السيادية، كخطوة فى سبيل تصحيح الأوضاع. الدكتور محمد البلتاجى رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامى، قال إن البنوك الإسلامية مضطرة للاكتتاب فى أدوات الدين الحكومية لعدم وجود بدائل متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وإن صدور قانون الصكوك الإسلامية يعد بمثابة بديل يتفق مع الشريعة لأدوات الدين الحكومية، وسيساهم فى خفض عجز الموازنة العامة للدولة. وأضاف البلتاجى أن أوراق الدين الحكومية مرتبطة بسعر فائدة ثابت وهناك إقرار من المجامع الفقهية الإسلامية فى العالم بأنها غير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن بعض الاجتهادات الفقهية قالت إنها ليست حراما. وتابع أن مجامع الفقه وهيئة المراجعة والمحاسبة الإسلامية فى البحرين أكدت أهمية التخلص من أى أرباح تنجم عن كافة المعاملات المالية غير المتوافقة مع الشريعة، إلا أن السيطرة على تلك الأمور يحتاج إلى إدارة للرقابة الشرعية فى البنك المركزى لإلزام البنوك الإسلامية بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.