عندما طلب منى الزميل خالد فرج كتابة مقال عن أفلام العيد وجدت نفسى تائهاً، هل أكتب تحليلاً نقدياً لعناصر تلك الأفلام، أم أكتب عن حال السينما عموماً، وهو همى الأكبر منذ 25 عاماً، عندما بدأت عملى فى الصحافة، وكان ذلك هو الخيار الأفضل بالنسبة لى، فتحليل الوضع العام للسينما هو الأهم الآن، لأننا علينا أن نوضح لماذا انقلب الجمهور على شريف عرفة ولماذا خسر أحمد فهمى ثقة جمهوره، ولماذا فاز «ولاد رزق» أحمد عز وآسر ياسين وعلى صبحى وأحمد الرافعى بالقاضية؟ موسم عيد الأضحى يستكمل الفرز الذى بدأته السينما فى 2024 ويفتح الباب لخطوات جديدة فى الإنتاج المصرى، بعدما قرر الجمهور أن يعاقب الذين لم يقدروه لسنوات. آفة صناع السينما فى مصر الاستسهال، والإثم الأعظم هو أن يهتم الجميع بكل عناصر الصناعة وينسون أهم عنصر وهو الكتابة، ولذلك لم تجد لجنة اختيار الأوسكار العام الماضى سوى فيلمين تختار بينهما، هما «فوى فوى فوى» و«وش فى وش»، وصدم الجمهور نجوماً كباراً مثل محمد هنيدى وأحمد فهمى بإيرادات ضعيفة لا تقارن مع ميزانية فيلميهما ولا عدد النجوم الموجودين فيهما. وجاءت 2024 ب«الحريفة» الذى اكتسح الجميع فى مطلع العام، وظل على هرم الإيرادات حتى جاء ولاد رزق بالقاضية فأزاحه عن الصدارة ليصبح فى المركز الثانى، رغم أن «الحريفة» بدأ عرضه فى موسم بداية العام وهو أقل إيراداً بشكل كبير عن موسمى العيدين وموسم الصيف. لماذا جاء «ولاد رزق» بالقاضية واكتسح شريف عرفة مع محمد عادل إمام، وكذلك أحمد فهمى وعصابته، والكم الكبير من النجوم فى أهل الكهف، تساؤلات مهمة حول حجم الإنتاج ونجوم كل فيلم وكذلك تسويق كل مشروع على حدة، ومقارنة كل هؤلاء بالنموذج المرجعى لهذا العام وهو فيلم «الحريفة». الحريفة هو فيلم خالٍ تماماً من النجوم، الأفيش يتصدره نور النبوى وكزبرة ونور إيهاب، وضيوف الشرف ميدو وبيومى فؤاد، وعلى الجانبين الموهوب أحمد غزى وعبدالرحمن محمد وخالد الذهبى وسليم هانى، ولكن كتابة جيدة ومخرج لديه رؤية ووجهة نظر ووعى سينمائى كبير استطاع أن يقدم لنا فيلماً سينمائياً جيد المستوى. وعلى نفس المنوال كان «ولاد رزق 3» مع الفارق الإنتاجى الضخم الذى لم يكن ليؤثر لو لم تكن هناك كتابة جيدة من سيناريست، هو من الأكثر موهبة فى جيله ومخرج يملك وعياً سينمائياً راقياً، أهم عنصرين فى صناعة العمل الفنى، الكاتب والمخرج، فكان صلاح الجهينى وطارق العريان، اللذان قدما معاً واحداً من أفضل أفلام الأكشن فى السينما المصرية بالجزء الأول فى السلسلة، وهو كما كتب عنه وقتها الناقد الكبير رامى المتولى «أول فيلم مصرى يستخدم نموذج كتابة العبث بالعقل»، وهو ما يحسب لصلاح الجهينى ككاتب، وصنع طارق العريان عملاً سينمائياً مبهراً ما زال صداه حتى الآن رغم صدور جزءين بعده. ولا يختلف أحد على أن الدعم الإنتاجى الكبير لفيلم «ولاد رزق 3» من هيئة الترفيه قد ساهم فى خروج الفيلم بهذا الأكشن المبهر، لكن تعالوا نعتبر أن ذلك الدعم غير موجود، هل كان الفيلم سيصبح الأعلى إيراداً؟ لا شك عندى أن الفيلم سيحقق إيرادات ضخمة جداً بسبب اهتمام صناعه بالتفاصيل السينمائية فى بناء الدراما والشخصيات وحركة الأحداث، كل ذلك مع الأكشن الجيد. راهن صناع فيلم «ولاد رزق» على الجمهور الذى صدقهم فى جزءيه السابقين، وهو نفس الجمهور الذى لن يرجع لشريف عرفة رغم تاريخه الطويل فى تقديم أفلام مهمة وناجحة جماهيرياً، ولكن الإصرار على تقديم نفسه كمؤلف كسر لدى الجمهور ثقته فيما يقدمه، وانتهت مسيرة شريف عرفة بخسارات على المستوى النقدى والجماهيرى، ف«الكنز» بجزءيه لم يحقق نجاحاً و«الممر» رغم سوء الكتابة والتنفيذ لكنه كعمل وطنى لقى ترحيباً كبيراً. ويرغب شريف عرفة فى أن يقدم نفسه ككاتب، فيعيد كتابة سيناريو «الإنس والنمس» ليسقط جماهيرياً ونقدياً، ويقدم نفسه ككاتب منفرد فى «الجريمة»، وكان بالفعل جريمة سينمائية بكل المقاييس وكذلك سقط سقوطاً ذريعاً، وانهار مشروع شريف عرفة التأليفى بالسقوط المدوى لفيلمه «اللعب مع العيال» أمام قاضية «ولاد رزق». أما عن أحمد فهمى فهو كذلك فقد ثقة جمهوره بعد المستوى الردىء لمسلسل «رجالة البيت»، وكذلك «سره الباتع»، ورغم الجدل الكبير حول مسلسله «سفاح الجيزة» ولكن كان بعيداً عن منطقة نفوذه فى الكوميديا، التى خسرها سينمائياً منذ فيلمه «الكويسين»، وتلاه «مستر إكس»، ورغم ظهوره كضيف شرف فى عدد كبير جداً من الأعمال التى قدمت فى السنوات الأخيرة، كان خفيف الدم فى بعضها، لكنه عندما عاد لتقديم النوع الذى يجيده فى الكوميديا فى «عصابة الماكس»، ورغم جودة الفيلم لكنه كان قد فقد ثقة الجمهور فى أحمد فهمى وما يقدمه. يتبقى «أهل الكهف» وهو كنوعية لا يصلح فيلماً للعيد، والحديث عنه يطول، خاصة حول ما يقدمه أيمن بهجت قمر ككاتب سيناريو وكذلك عمرو عرفة كمخرج، وحتى لو كان الفيلم متخماً بممثلين كبار، لكن نزوله فى العيد هو تضحية واضحة به أمام «عتاولة» الموسم