وكأن كارثة الانتقاص من حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل فى المادة 68 لا تكفى بمفردها للعصف بمقومات الدولة الحديثة والمجتمع العصرى، ورطت أحزاب الإسلام السياسى مسودة الدستور فى كارثة إضافية تتمثل فى رفض حظر الاتجار بالبشر وتجريم كافة أشكاله. فالمادة 71 لا تنص إلا على حظر الرق والعمل القسرى وانتهاك حقوق النساء والأطفال وتجارة الجنس، وتلتزم فيما عدا هذا الصمت. السبب الحقيقى لعدم النص صراحة على حظر الاتجار بالبشر والاكتفاء بالإشارة العامة إلى حظر انتهاك الحقوق والإشارة الخاصة إلى حظر تجارة الجنس (والأخيرة هى أحد أشكال الاتجار بالبشر) هو معارضة ممثلى الإسلام السياسى. وسبب معارضتهم، وكما تبين أحاديث موثقة لبعض أعضاء التأسيسية من الإخوان والسلفيين، هو كون المواثيق الدولية التى تعرف وتحظر وتجرم الاتجار بالبشر تدرج تحته جريمة تزويج القاصرات شأنها فى هذا شأن جرائم التزويج القسرى وتجارة الجنس. رفضا لتجريم تزويج القاصرات، إذن، تصمت المادة 71 عن حظر الاتجار بالبشر. سؤالى، ودون خشية من التعريض المستمر بكل مخالف لطرح الإسلام السياسى بشأن قضايا الحقوق والحريات ومن بينها حقوق المرأة والادعاءات الباطلة بكوننا نعادى هوية مصر الإسلامية، هو هل نريد تقنين تزويج القاصرات عبر عدم النص بالدستور على حظر الاتجار بالبشر؟ هل نريد لهذه الظاهرة المقيتة والممارسات الإجرامية المرتبطة بها، التى تحذر من تداعياتها الكارثية على الفرد والمجتمع دراسات لا نهاية لعددها حول الصحة النفسية والتطور الذهنى وتماسك الكيانات الأسرية وغيرها، أن تستمر وتتنامى فى مصر؟ هل نريد تقنين تزويج فتيات فى التاسعة والعاشرة من العمر أو فى الرابعة والخامسة عشرة؟ الأمر هنا يتجاوز النظرة الرجعية للمرأة وللفتاة وحقوقهن وحرياتهن ويتحول إلى تقنين لممارسات إجرامية تشوه مجتمعنا وتنزع عنه الإنسانية. الأمر هنا ليس ترفا ولا رفاهية، بل ظاهرة مقيتة منتشرة فى مصر تستدعى الحظر والتجريم، والخطوة الأساسية هى بنص دستورى صريح. سؤالى، وبعين تنتقل من جريمة تزويج القاصرات إلى جرائم أخرى كالتزويج القسرى والاتجار بالمرأة المصرية واستغلال الأطفال جنسيا وغيرها، هل يفكر من يعارض النص على حظر الاتجار بالبشر فى خطورة الصمت عن كل هذه الجرائم؟ هل يتجاهل مداها المجتمعى وخطورتها؟ لسنا بصدد ظواهر أو جرائم نادرة الحدوث، فالتزويج القسرى منتشر والاتجار بالمرأة واستغلال الأطفال منظمان ولهما شبكات إجرامية تديرهما. النص على حظر الاتجار بالبشر ضرورة، أخلاقية وإنسانية ومجتمعية وحماية لحقوق وحريات النساء والفتيات القاصرات والأطفال فى مصر وصون لسلامة مجتمعنا من إجرام ينتشر اليوم دون قيد.