لا شك أن السجون وأماكن الاحتجاز فى مصر تحتاج إلى إصلاح جذرى، لكى تصبح بحق أماكن احتجاز للمحكوم عليهم والمحبوسين احتياطياً، لكى تحترم كرامة الإنسان كما نص على ذلك الدستور المصرى بشكل قاطع، «كل من يُقبض عليه أو يُحتجز يعامل بما يحفظ عليه كرامة الإنسان»، كما أيضاً تم حظر التعذيب وإساءة المعاملة، أو تلك الأساليب الحاطة بالكرامة، فهل الأوضاع الحالية تعكس بالفعل إرادة المشرع الدستورى؟ فى الحقيقة، كثير من الشكاوى التى ترد إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان أو المنظمات الحقوقية المهنية، تشير إلى صعوبة الأوضاع فى السجون، وأن هناك اكتظاظاً شديداً لا تحتمله المساحات المتاحة فى السجون المصرية، الأمر الذى يفتح الباب إلى انتشار الأمراض وزيادة صعوبة الحياة للسجناء المرضى الذين يحتاجون إلى حد أدنى من الحياة الكريمة التى تؤمّن هواءً نقياً وأكسجيناً كافياً للتنفس. أيضاً استمرار وجود زنازين التأديب داخل أغلب السجون يوضع فيها السجناء الذين يخالفون اللائحة أو التعليمات أو يثيرون المشاكل، الأمر الذى يعد انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، فهذه زنزانة مساحتها لا تتجاوز المتر ونصف المتر، أى عرض متر تقريباً فى متر ونصف طولاً أو يزيد قليلاً، ويوضع فيها «جردلين» لقضاء الحاجة فيهما ولا يُفتح على السجين إلا بعد 23 ساعة ولا توجد إلا فتحة تهوية صغيرة، وتفتح يومياً ساعة لإخراج وتنظيف الجردلين والنظافة. تغيّرت فلسفة العقاب فى أغلب النظم العقابية فى العالم لكى يتحوّل السجن إلى مكان لإصلاح السجين وتأهيله لإعادة إدماجه فى الحياة الاجتماعية، أى لم تعد العقوبة للانتقام من السجين، لذلك تم إلغاء العقوبات البدنية من أغلب النظم العقابية فى العالم، وكانت السجون فى مصر تطبق الجلد حتى عام 2002، حيث تم إلغاء العقوبة، فمهمة السجون أصبحت تأهيل السجين وتعليمه وإكسابه مهارات، حيث يمكن أن يسهم فى تطوير مجتمعه والمشاركة فيه بإيجابية. الآن تعد لجنة الإصلاح التشريعى تعديلاً على قانون السجون، ومن المهم أن يتضمّن القانون السماح للمجلس القومى لحقوق الإنسان بزيارة السجون وتفقّدها للبحث فى الشكاوى التى تتلقاها وأيضاً للقاء مقدمى الشكاوى والاستماع إليهم والعمل على حل تلك المشاكل بالتعاون طبعاً مع مصلحة السجون والنيابة العامة أيضاً، الخلاف الآن هل تتم الزيارة بمجرد الإخطار أم أن الزيارة تتم كما يحدث الآن بتصريح مسبق، فى الحقيقة لكى يتمكن المجلس من القيام بدوره وفحص الشكاوى الخاصة بالسجناء والمحتجزين نحتاج إلى أن نتحرك بالسرعة الواجبة، لا سيما إذا كانت الشكوى تتعلق بالتعذيب أو رفض إدارة سجن إغاثة سجين ونقله إلى مستشفى السجن أو أى علاج ينقذ حياته، فكثير من حالات الوفيات الأخيرة ذكر أنهم لم يتلقوا الرعاية الطبية اللازمة فى الوقت المناسب، فالزيارة يجب أن تكون بالإخطار. ومن المهم أيضاً أن يتم الاتفاق على آلية للانتصاف، سواء بمصلحة السجون أو فى النيابة العامة، وهى الجهات المهنية بالسجون وتنفيذ العقوبة، لكى يتم التحقيق الفورى فى شكوى السجناء والمحتجزين والمحبوسين احتياطياً. إصلاح السجون وأماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة مهمة عاجلة لا شك، فحجز القسم أصبح الآن كارثياً، لا سيما بعد تقارير النيابة العامة التى زارت أقسام شرطة ووجدت المحتجزين أضعاف القدرة الاستيعابية للقسم، فالحجز الذى يتسع لمائة وجدوا فيه ثلاثمائة، وهذا لا شك يعد انتهاكاً جسيماً لكرامة الإنسان، ويعد شكلاً من أشكال التعذيب، لذلك عاجلاً نحتاج إلى عدم التوسُّع فى الحبس الاحتياطى، لأن هذا من أسباب زيادة أعداد المحتجزين الطارئة أيضاً هناك ضرورة لتعديل فى قانون العقوبات لإلغاء عقوبة الحبس فى كثير من الجرائم البسيطة واستبدالها غرامات مالية أو تدابير ينص عليها القانون الخدمة العامة مثلاً، الوضع فى السجون لا يحتمل الانتظار طويلاً، ونحتاج إلى خطة عاجلة للإصلاح.