«من تشرق عليه الشمس فى هذا اليوم وهو فى فراشه يلازمه الخمول طوال العام»، جملة كتبت داخل أحد جدران المعابد المصرية لتكون خير تعبير عن احتفالات المصريين بأعياد الربيع، منذ أكثر من 5 آلاف عام، والمصريون يحتفلون بشم النسيم، فيما يعرف بالانقلاب الربيعى، وهو اليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار، معلناً بدء عام مصرى جديد، فكان الاحتفال يأخذ طابعاً رسمياً ويجب أن يكون بجانب النيل، حيث يبدأ موسم الحصاد أخيراً، وفى مصر المعاصرة، مع تفتُّح الزهور تنتشر الأسرات المصرية فى الحدائق العامة والمتنزهات، ولأن الأحياء الشعبية فى مصر لها طابع، فكان الاحتفال بشم النسيم داخل كل حى له ما يميزه، بين الدويقة وروض الفرج ومصر القديمة، سيدات تلك المناطق يتحدّثن عن احتفالاتهن ب«شم النسيم» بأبسط الطرق المعتادة، بعضهن يحرص على إلقاء القلل فى نهر النيل فى الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، والبعض الآخر يلتزم بتلوين البيض وتجهيز «الفسيخ» والخروج للتنزّه. تحرص الشقيقتان «صفاء» و«هناء»، من سكان روض الفرج على الاستيقاظ مبكراً والاحتفال به على الطريقة الفرعونية «شم النسيم عندنا بيبدأ الفجر، واليوم له طقوس خاصة جداً»، قبل بزوغ الشمس تستعد الشقيقتان لتلوين البيض، ومن ثم تجهيز الملانة والفطير المجدول، وأخذ الأطفال والأقارب إلى كورنيش النيل، فى الخامسة والنصف صباحاً، «بنجيب ورد وقلل وبنركب خيل مع الطبلة عشان نغنى ونسقف والاسكوتر عشان العيال يلعبوا». استبدلت «هناء» السيدة الثلاثينية، التماثيل التى كانوا يلقونها قديماً فى النيل بالقلل، تقول «عشان ده عيد النيل لازم نقعد جنبه ونرمى القلة»، مع تمنى أمنية صعبة لتتحقق مع بدء موسم الربيع ومن ثم الصيف، وفى التاسعة من صباح ذات اليوم يغدو الكورنيش خالياً تماماً من الزوار، فقد انتهت فترة الإفطار، ليدخل اليوم مرحلته الثانية، «بنخلل الملوحة ونجيب الفسيخ والرنجة ناكلها فى الجناين»، وغالباً ما تستقر رحلتهن فى حديقة الفسطاط أو القناطر الخيرية، وللاحتفال طابع عائلى، فحسبما قالت «هناء»: «ده فى ناس من قرايبنا مش بنشوفهم غير فى شم النسيم.. الخروج فيه أحلى من العيد، بنستناه من السنة للسنة، عشان نخرج مسلمين ومسيحيين». الحدائق العامة والقناطر الخيرية والهرم كانت مقصد حنان فاروق، من سكان مصر القديمة تقول: «من صغرى باحرص على تلوين البيض والاحتفال بشم النسيم، ولما سمعت أنه حرام نحتفل بغير الأعياد الدينية، قررت أقضى اليوم ده عادى، بس باحرص على أكل الفسيخ والرنجة قبل عيد الربيع بيوم أو بعدها بيوم». فيما عاشت «الحاجة رضا» 25 عاماً بعيداً عن أهلها بالفيوم، فى منطقة منشأة ناصر، إلا أن شم النسيم بالنسبة لها مناسبة خاصة لزيارة الأهل فى «البلد»، السيدة الأربعينية، تعتبر شم النسيم مثل الأعياد، أسبوع كامل تقضيه فى الغيطان وسط الأرض «أهلى لازم أشوفهم اليوم ده وأقضيه معاهم». أما «أم حسين» وشقيقتها «أم حبيبة»، فهما من الشرقية لكنهما تفضلان المجىء إلى القاهرة للاحتفال بشم النسيم، حيث تريان فيه متعة الخروج والترفيه، ولا مانع من السفر إلى أى محافظة ساحلية قريبة مثل «الإسماعيلية» منذ الصباح الباكر: «الفسيخ والرنجة دول أساسيات، يعنى حتى لو ماخرجناش لازم نجيبهم فى البيت وناكلهم كل سنة، دى زى عادات وتقاليد»، والبيض تصنعان له خصيصا «سَبَت» بعد تلوينه، ومن ثم وضعه فيه ليكون أكثر ملاءمة مع الربيع. سكان منطقة «الدويقة» لا يعيرون شم النسيم كثيراً من الانتباه، فغالباً ما يقضى اليوم على أكلة فسيخ ورنجة فقط دون الخروج: «إحنا هنا كمان بنعمل الفسيخ، باجيبه وأسيبه 4 أيام فى الشمس وبعدين أخزنه، عشان يبقى أرخص من برة»، وفق «فاطمة»، السيدة الأربعينية، لكن فى بعض الأحيان يذهبون إلى الحديقة الدولية أو إلى الفسطاط، كى يأخذ الأطفال حقهم بقليل من اللعب والمرح وسط أجواء الربيع الجميلة: «لكن جوزى مش بيجى معانا عشان الشغل باروح أنا وأخواتى والعيال بس». فيما تحتفل «وسام» السيدة الثلاثينية بعيد الربيع بالليمون والطحينة، تجهز «محاسن» التى تسكن حى المنيب الملوحة، وبألوان العطار الصحية تلون البيض بعد سلقه، وذلك قبل شم النسيم بوقت كافٍ، حيث إن اليوم عندها يبدأ فى الصباح الباكر، ليخرج إلى حديقة الحيوانات على أن تعود إلى بيتها مع خفوت الشمس فى المغرب.