أشعر بخصوصية علاقتى بميدان التحرير قلب القاهرة النابض ورمز كفاحها.. لى معه حكايات.. ذكريات.. أخاف عليه.. أغار على ملامحه من تشويه يستميتون فى فعله بالرمز والشكل.. عشنا معاً أكثر لحظات الوطن فرحاً وحزناً و(خيبة) أيضاً. ولأسباب حكومية وإجراءات روتينية، أورثونا إياها، تفننوا فى تكبيلنا بمجمع نقصده مجبرين بقلب الميدان.. لأتذكر مسرحية عادل إمام الشهيرة وتَصور سرحان عبدالبصير ببراءة أن أهل المنزل تركوا باقى الشقة ليمكثوا فى حجرة واحدة.. ضحكنا كثيراً على سذاجته، بينما نفعل نحن ذلك منذ عشرات السنين. أعترف أننى لا أبذل محاولات كثيرة للسيطرة على ما أدعى أنه غضب إيجابى بنّاء، بينما يصفه المحيطون بالتهور وربما (الجنان).. وكثيراً ما يعرضنى لنقد أو سخرية.. فقد أوصلنى يوماً لأعتاب وزير الداخلية لواء عبدالحليم موسى، رحمه الله، وأنا ما زلت طالبة بقصر العينى.لتقتحم ابنة ال19 عاماً دون سابق معرفة قلعة الداخلية الحصينة معلنة اعتصام قطاع خاص (قبل أن يصبح موضة)، أناضل به من أجل قانون لا يحترمه القائمون عليه وكرامة (العبدة لله) التى أراقها أحد عمداء الشرطة لإصرارى على عدم الرجوع بسيارتى شارعاً طويلاً للسماح له بالمرور فى الاتجاه الممنوع. واعترافاً بحق لا ينكره إلا جاحد فقد رد لى اعتبارى (رغم عدم استلطاف ظل لسنوات طويلة بينى وبين جهاز الشرطة لتجاوزات القلة المسيئة للجميع). ولأن فى كل (خرابة) عادة ما أجد عفريتاً ولأن الطبع يغلب التطبع. فمن المعتاد أن يتندر الأصدقاء بلمى للقمامة بمجرد أن يلقيها أحدهم فى الشارع فى توبيخ أنيق بلا كلمات يشعره بحرج قد لا تحققه محاضرة كاملة عن النظافة ليكون رد فعله لدهشتى الخجل والاعتذار لى أنا. أو تجاهلى لأبواق همجية من السيارة خلفى لتمسكى بالوقوف احتراماً لإشارة مرور يتجاوزها الكثيرون فى الساعات المتأخرة من الليل. ناهيك عن محاضرات (استفرد) فيها بموظف عمومى دعت عليه السيدة والدته إذا (قفشّته) يمارس لعبة السوليتير على كمبيوتر حكومى، مدعمة كلماتى بابتسامة صفراء وأحاديث شريفة لأفوت عليه إيجاد ذريعة لتحويل الموضوع إلى (عركة بلدى)، أما حكاياتى مع أطفال الحياة.. أبناء العجز والفشل (لأن الشوارع ما بتخلفش عيال)، فهى السبب الحقيقى لوجودى لو اعتبرت أن هناك سبباً محدداً لوجود كل شىء فى هذا الكون.. ولا تعنينى تلك العبارات السلبية ممن يحسنون الظن بى (هو إنتى فاكرة نفسك هتصلحى الكون)، أو ممن يسيئونه بى بريبة (إنتى بتعملى كل ده ليه؟)، فى بحثهم الدائم عن تلك المصلحة الخفية أثبتت الأيام انعدامها (فحتى مؤسستى لا تقبل التبرعات) فكل إنسان يظن بالناس ما بنفسه.. فليعتقد من يريد ما يشاء.. قناعاتى ملك لى وحدى وسأعيش وأموت بها.. ولأننى كما الزمار لا تتوقف أصابعه عن العزف أبداً.. فقد اتصلت بالنجدة.. فى تصعيد منطقى لذلك الغضب الإيجابى تنتابنى أعراضه دون إرادة منى أمام السلبيات.. وقد كانت المرة الثانية فى نفس الأسبوع التى أجد فيها كل أنوار (حبيبى) ميدان التحرير مضاءة فى وضح النهار.. حيث اكتفيت فى المرة الأولى بلفت نظر رجل الشرطة حامل اللاسلكى بالميدان.. للإبلاغ واتخاذ اللازم.. ولكن يبدو أننى يجب أن أضع سيناريوهات التصعيد الحضارى من عمل محاضر ضد وزارة الكهرباء وربما محافظة القاهرة.. وأمام عينى شريط محصلة مآسى انقطاع الكهرباء من وفيات بالمستشفيات وتعطيل وشلل البلاد والعباد.. وبالفعل سجلت البلاغ رقم 223963 ليوم 23 مارس الثانية عشرة ظهراً.. ومنحت للنظام ولنفسى مهلة نصف ساعة قبل التصعيد.. ولكن لدهشتى وسعادتى أطفأوا الأنوار قبل انقضاء المدة بقليل.. ما عدا عمود نور واحد لا أعرف كيف، ولكن لن (أحبكها)، ليكن لدرء عين الحسود.. ليلح السؤال: (أليس منكم رجل رشيد؟)، فإضافة لتقصير إدارى غير مبرر، ألم يمر بالميدان منذ بزوغ الشمس ما لا يقل عن عشرات الآلاف، لِم لم يصل بأحدهم الغضب إلى إيجابية الفعل؟.. ولكن تحسباً لشبهة إلصاق صفة (النكدية) بالست المصرية.. قررت الاستمتاع بطاقة الأمل التى أشرقت داخلى.. والاحتفال بإحدى خطوات الألف ميل.. لأجد نفسى اتصل مرة أخرى بالنجدة رغم يقينى أن محدثى لن يكون متلقى البلاغ لكنى أردت لطاقة الأمل أن تصل لمن قاموا بواجبهم وبعد مقدمة بسيطة قلت غير عابئة لو حتى حول المكالمة لمستشفى العباسية: «بلغ زمايلك.. مصر بتحييكم وبتقول لكم.. عليكو نور».