ليس مهماً أن يكون شيمون بيريز الصديق العظيم لمرسى، أو يكون مرسى الصديق الوفى لبيريز، ما يعنينى فى الخطاب الفضيحة، والذى اضطرت الرئاسة للاعتذار عنه، والتأكيد على طبيعته الآلية البروتوكولية.. ما يعنينى فى الخطاب البروتوكولى عبارة ليست بروتوكولية بأى حال من الأحوال، وليست مقبولة بأى حال من الأحوال، نفس ما توقف أمامه الشاعر الفلسطينى (مريد البرغوثى) وتوقف الكثيرون أيضاً، نفس السطور، ونفس الجملة، ونفس حروف المخاطبة..(صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل عزيزى وصديقى العظيم.. ..... ..لى الشرف بأن أعرب لفخامتكم، عما أتمناه لشخصكم من السعادة، ولبلادكم من الرغد صديقكم الوفى محمد مرسى) أى بلاد يا مرسى تلك التى يعيشون فيها؟ وإذا كانت بلادهم (بروتوكولياً) فأين بلادنا، أو أين نحن (بروتوكولياً) أيضاً؟! قبل عامين التقيت بمدير بينالى الشارقة (جاك برسكيان) فلسطينى، أرمنى، أمريكى، عربى.. قلت: ماذا يعنى تعدد الهويات هذا؟ قال: أسلوب من أساليب المناورة أو التحايل الذى يتطلبه المرور فى تلك المرحلة الصعبة والشائكة بين وعبر الحدود.. حكى عن معاناة الخروج من القدس مدينته التى ولد ويعيش فيها هو وعائلته، حكى عن معاناة العودة إليها، حكى عن الحصار، وعنف التعامل الإسرائيلى، عن محاولات محو الهوية، وطمس كل ملامح المدينة.. قلت: تعمل خارج القدس، وتحمل جنسيات مختلفة، ما الذى يبقيك وسط هذه المعاناة، لماذا تصر على العودة للقدس، لماذا تصر على البقاء؟ نظر إلىّ بدهشة، وبغضب من تلقى الصفعة، قال بحدة: لا لشىء، فقط لأنها بلادنا، أنا مقدسى، فلسطينى، وتلك هويتى! نعم بلادنا يا مرسى، ليس فيها العيش الرغد، لكنها بلادنا، ليست أجمل بلاد العالم، لكنها بلادنا.. يوماً تمنى محمود درويش، السجن المؤبد والزنزانة والقيد والشرطة وقسم البوليس.. وبلاده.. اعتذرت الرئاسة عن خطاب مهلهل بدعوى (البروتوكول) لكنها لم تعتذر عن خطوات أكثر هلهلة، خطوات تقديم السفير المصرى (عاطف محمد سالم الأهل) أوراق اعتماده كسفير لدى إسرائيل فى مدينة القدس، نعم فى القدس وليس تل أبيب، ضاربين عرض الحائط برفض أن تكون (القدس) عاصمة للكيان الصهيونى، وضاربين عرض الحائط بكل محاولات تشويه المدينة، محو هويتها، وكل ملامحها العربية وتهويدها.. الدولة المرتبكة أو (دولة الهواة) بتعبير الكاتب والصديق عبدالله السناوى، لا تعنى فقط فقدان القدرة على الرؤية، لكن أيضاً الاهتزاز أمام الثوابت، وفقدان التوازن والارتباك.