تقترن الأعياد فى وجدانى بلحظات المرح والفرحة، بدءاً من الملابس الجديدة وحتى ركوب المراجيح.. وفى هذه الأيام المفترجة نركب جميعاً، وفى كل المراحل العمرية، مراجيح مجنونة تدور بأسرع من الصوت فتكاد تصيبنا بالجنون.. ومن الأحداث التى أدارت رأسى وكادت تخلعه، الزيارة التى قام بها أمير قطر وقرينته إلى قطاع غزة، المحتل والمحاصر والدامى.. فقد اتسمت هذه الزيارة بكل مظاهر «الرسمية».. أى بدت وكأنها زيارة من رئيس دولة إلى رئيس دولة.. وشاهدنا أن مراسم استقبال الأمير القطرى صاحبها فرش السجادة الحمراء واستعراض حرس الشرف والنشيد الوطنى..إلخ، أى باختصار شديد.. كرست زيارة الأمير القطرى انقسام ما تبقى من فلسطين إلى دويلة أو إمارة غزة وبقيت الضفة الغربية تراقب بحزن الفصل قبل الأخير فى اختفاء كلمة «فلسطين»، ليس فقط من الخريطة الجغرافية، بل -وهذا هو الأهم- من القاموس العربى الذى استخدم «القضية» أسوأ استخدام ممكن.. وتدور المرجيحة فى رأسى تتساءل: هل يشك أحد فى أن أمير قطر ما كان يمكن أن تطأ أقدامه أراضى غزة إلا بموافقة إسرائيلية؟ وهل إذا كان الأمير يريد، مثلاً، إجراء مصالحة بين الإخوة الأعداء فى غزة والضفة وطلب لتحقيق هذا الهدف الشجاع والنبيل زيارة الضفة، كانت سلطات الاحتلال ستسمح له بذلك؟ إن ما يجرى أمام أعيننا هو ذبح وطن، باسم الشعارات الرنانة، سياسية تارة ودينية فى معظم الأحيان.. ومن يتأمل صورة رئيس حكومة غزة أثناء استقبال الأمير يدرك أن جميع جهود المصالحة ستضيع سدى، لأنها إذا تمت، أى المصالحة، فمن الأرجح أن ينتهى دور «هنية» وأن يبتعد عن الواجهة، وفوق ذلك وقبله لن يتحقق الحلم الإسرائيلى بتفتيت فلسطين إلى أشلاء يصعب جمع شتاتها ويكون «البداية» لإنهاء حلم الوحدة العربية، وإذا تأملنا فى طبيعة الفريق الحاكم فى إمارة غزة الآن فسوف نلاحظ غياب كلمة العروبة وحتى اسم فلسطين، حيث إن «حماس» هى حركة المقاومة الإسلامية؟ وهذا هو «عز الطلب» من أعداء الوحدة العربية.. ويصعب ألا أربط بين ما يجرى على حدودنا وخطورته الكبيرة -كما سبق وأشرت باقتطاع الجزء الشاطئى من سيناء لقادة حماس وإقامة إمارة تستولى على نصيب مصر من غاز البحر الأبيض المتوسط- وبين تكفير الناصريين، ليس لأنهم أنصار حلم الوحدة، وإنما، والعياذ بالله، لأنهم مع العلمانيين والليبراليين ضد تطبيق شرع الله؟! وقد تكرر هذا الاتهام الخطير من فوق معظم منابر المساجد المصرية فى عيد الأضحى.. ولم يخرج خطيب واحد ليشرح لنا ما إذا كانت الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية رجساً من عمل الشيطان وأن القضية الملحة الآن هى قتال وقتل كل من لا ينضوى تحت لواء هؤلاء!.. ومع ذلك.. كل عام وأنتم بخير!