قبل أن أواصل بالغد مناقشة مواد باب الحقوق والحريات بمسودة الدستور، يتعين التوقف أمام حكم القضاء الإدارى أمس الأول بشأن القانون رقم 79 لسنة 2012 المحصن فى مادته الأولى لإجراءات تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من الطعن عليها أمام القضاء الإدارى والتى أحيلت الآن للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتها وقانونيتها. ولدى ثلاث نقاط أرغب فى التأكيد عليها ووضعها على رأس أجندة الأولويات الوطنية. أؤكد أن عملية كتابة الدستور فى مصر أصبحت محاطة بسياج خطير من الشكوك القانونية والإجرائية فضلاً عن إشكالياتها السياسية المتعلقة بغياب التوافق وبرفض العديد من القوى الوطنية لمسودة الدستور (المعلن عنها فى 14 أكتوبر ثم بتعديلات طفيفة فى 22 من ذات الشهر). أؤكد، ثانياً، أن سيف الزمن بات مسلطاً على عملية كتابة الدستور بآجال مختلفة، من 45 يوماً تحتاج إليها كحد أدنى هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا لإعداد التقرير بشأن دستورية المادة 1 فى القانون رقم 79 إلى تاريخ 12/12/2012 الذى ينتهى عنده -وبانقضاء فترة الأشهر الستة- الوجود القانونى للجمعية التأسيسية ولا يحق لها مواصلة العمل بعده. يعنى سيف الزمن هذا أننا مع احتمالين أحلاهما شديد المرارة، إما أن تنجز الجمعية التأسيسية التى تحيط بها الشكوك القانونية والإجرائية والسياسية مشروع الدستور قبل مرور أيام هيئة المفوضين ال45 وقبل حلول 12 ديسمبر 2012 ويطرح للاستفتاء الشعبى من قبل رئيس الجمهورية أو تخفق الجمعية فى إنجاز مشروع الدستور قبل حلول الآجال الزمنية، وتتمثل مرارة الاحتمال الأول فى أننا سنكون مع مشروع دستور يغيب على الأرجح عن التوافق الوطنى ولم يحدث بشأنه حوار مجتمعى جاد، ولو قبل رئيس الجمهورية عرضه للاستفتاء سيخلف وعده بعدم طرح مشروع دستور غير توافقى للاستفتاء، والاحتمال الثانى سيدخل البلاد فى نفق مظلم به أزمة دستورية وسياسية ممتدة لن ينقذنا منها حينها أن يعيد الرئيس تشكيل الجمعية التأسيسية ويكلفها بوضع الدستور أو أن يعرض هو للاستفتاء الشعبى مشروعاً للدستور، مؤقتاً أو غير مؤقت، أعد بالقصر الرئاسى ولم يتم حوار حوله بين القوى الوطنية وبالمجتمع. أؤكد، ثالثاً، أن المخرج الوحيد لمصر من الشكوك المحيطة بعملية كتابة الدستور ومن خطر غياب التوافق الوطنى ومن سيف الزمن المسلط علينا جميعاً هو أن يتحمل رئيس الجمهورية المنتخب مسئولياته ويعلن عن حوار وطنى بهدف إنقاذ كتابة الدستور. يمكن للرئيس على مائدة حوار وطنى هدفها الدستور ومحددة الآليات أن يناقش إعادة تشكيل التأسيسية (بانسحاب أعضائها ومن ثم إسقاطها وإعادة تشكيلها) والتوافق على قائمة الأعضاء والتى يمكن أن تطرح للاعتماد من قبل الشعب فى استفتاء لها أن يعطيها شرعية ديمقراطية. للرئيس أن يناقش ضمانات بشأن إجراءات التصويت بداخل الجمعية الحالية على المواد الدستورية (استبعاد التصويت ب57 بالمائة)، وله أن يتفاوض مع القوى الوطنية لحسم الجدل حول مواد دستورية بعينها وبهدف ضمان الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والنظام الديمقراطى الذى يحول دون تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية. للرئيس أن يعرض فكرة الدستور المؤقت التى يبدو أن نائبه يحبذها ويناقشها مع القوى الوطنية، فالفكرة إن ارتبط التأقيت بسنتين لها وجاهتها وقد تمكننا من تجاوز الأزمة الحالية واختبار دستور ديمقراطى على الأرض لمعرفة مزاياه ونواقصه ومن ثم تجاوزها. هذه هى مسئولية الرئيس كالمسئول المنتخب الأول فى مصر، ودعوته لحوار وطنى بهدف محدد هو إنقاذ كتابة الدستور ليست تدخلاً منه فى عمل جمعية تأسيسية منتخبة، بل استجابة لوضع خطير ومأزوم يهدد البلاد. لا تعطى السياسة للمسئولين المنتخبين فرصاً كثيرة لإثبات جدارتهم بتمثيل الوطن والمواطن، وجدارة الدكتور مرسى هنا ستكون فى تجاوز حدود جماعته وحزبه وإعلاء شأن مصلحة الوطن فى دستور توافقى، كذلك لا تمنح السياسة المسئولين المنتخبين الكثير من الوقت للتعامل مع الأزمات وإدارتها، وإدارة الدكتور مرسى للأزمة ستتعلق بالوصول السريع لمخرج توافقى ينقذ كتابة دستور ديمقراطى وتتبناه القوى الوطنية من الإسلام السياسى إلى الليبراليين، وشرط النجاح فى الحوار الوطنى هذا وإنجاز هدفه المحدد بمشاركة القوى الوطنية، وبالتبعية الابتعاد عن حوارات كحوار الأمس الذى دعا إليه الرئيس وغاب عنه وضوح الهدف والآليات وامتنعت عن حضوره من ثم، هو أن يأخذ الرئيس الخطوة اللازمة لكسر الطوق المفروض على مؤسسة الرئاسة من جماعته وحزبه.