"ما الذي يدفع شابا مرفها، يعيش في بيئة اجتماعية مرموقة للانضمام لتنظيم متطرف".. هذا هو السؤال الأول الذي يخطر ببالك، حين تسمع للوهلة الأولى قصة حياة الشاب محمود الغندور، الذي انضم ل"داعش" مؤخرا. عاش محمود حياة مرفهة، بفطرة تخلو من "العمق الديني"، قابلة للتشكيل الفكري كغيره من أبناء جيله الذين يمكن أن يكونوا مكانه، لكن لحسن حظهم لم يقعوا في شبكة "الدافعين" و"الموجهين" نحو "التطرف". عاش محمود في شرق القاهرة "مدينة نصر"، وإلى جانبها "الزيتون ، عين شمس، المطرية"، حيث أكثر مناطق القاهرة عنفا. للعنف الحاصل في منطقة شرق القاهرة خلفية تاريخية، بدأت في التسعينيات مع بداية تشكيل حي مدينة نصر، حيث العائدين من دول الخليج بمسحة دينية غلب عليها التطرف، كما احتضن الحي الوليد آنذاك، قيادات "الإخوان" الذين توسعوا في الحي الراقي مع مرور السنوات. تأثر محمود كما هو واضح في تعليقاته، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، برفقائه في مدينة نصر، مع زيادة الحراك السياسي عقب الثورة وتوسع نشاط الإسلاميين، ما دفعه لترك التمثيل في فريق الجامعة عام 2012. التطرف والتحول من النقيض للنقيض، يحدث لأسباب نفسية عدة، بينها الصدمة أو العزلة أو الشعور باللاقيمة، وعدم الأهمية أو الرغبة في تبني قضية. تدوينة محمود، عبر صفحته التي قال فيها: "بالنسبة للناس اللي قالت عليا انت كنت ملحد وخارب الدنيا، وبتاع راب وحاجات كتير كده، هو أنا أه في الجاهلية كنت ضايع، بس مش بالأفورة اللي اتقالت دي، بس هل تعلم أن خالد بن الوليد تقبله الله قبل إسلامه، وكان من أسباب انتصار قريش على المسلمين في غزوة أحد، وكان من أشد أعداء المسلمين، وبعد إسلامه أصبح قائدا عسكريا، ولقبه الرسول بسيف الله المسلول، واشتهر بعدها بحسن تخطيطه العسكري وبراعته في قيادة جيوش المسلمين في حروب الردة وفتح العراق والشام"، يقول محمود "أكيد مش بقارن نفسي بيه ولا أذكيه على الله، لكن المقصد أكيد وصل". كل هذه أشياء دفعت محمود إلى تبني قضية والدفاع عنها، إضافة إلى رغبته في أن يصبح مثلاً وقدوة، ليس هذا فحسب، بل تكشف أن التحول المفاجيء، لم يكن نتيجة لقرءات رصينة أو علمُ شرعي حقيقي، بل كان التحول سريعا يؤكد فجوته المعرفية والدينية، ما ساهم في سرعة دفعه نحو "التطرف". لم تكن البيئة التي أحاطت بالغندور وحدها المؤثر في دفعه نحو التطرف، فابن عمته عبدالرحمن عز الناشط الإخواني، كان من الداعمين لحازم أبوإسماعيل في عام 2012، وتصدر مسيرات "لأولاد أبوإسماعيل"، كان بينها المسيرة التي هاجمت حزب الوفد. تأثير "عز" على "الغندور"، تؤكده كلمات زميل الأخير في الكلية، في تصريحات ل"الوطن": "محمود كان شخصا عاديا، حتى ظهور حازم أبوإسماعيل والإسلاميين على الساحة السياسية". ويتابع زميله في الكلية: "بعد فض اعتصام رابعة، تغير محمود تماما". في بداية 2013، سافر الغندور إلى سوريا برفقة إسلام يكن، زميله في الكلية الذي انضم ل"داعش" هو الآخر قبل فترة، وانطلقا إلى تركيا ومنها إلى سوريا، التي مكث فيها شهرا واحدا، عاد بعدها ناقما على تنظيم "الإخوان" وجماعات الإسلام السياسي في مصر، مؤكدا أن الحياة في مصر لم تعد ممكنة. وشهدت نهاية 2014، سجن محمود الغندور بسبب سابقة سفره إلى سوريا في 2012، يقول "عز" الذي زعم أن محمود الغندور صديقه، عبر صفحته على موقع "فيس بوك": "تعرض محمود للسجن بسبب سفره ضمن قافلة إغاثة إلى فلسطين"، فيما قال الغندور نفسه، عقب خروجه من السجن في 23 سبتمبر الماضي، إنه متهم بالانتماء لتنظيم الإخوان". الظروف التي مر بها "الغندور" وتطرفه السريع، والبيئة والأشخاص الذين أحاطوا به دفعوه للسفر لسوريا، كما أن تنظيم "داعش"، شكل نموذجا ملهما له، وعقب خروجه من السجن وصف المجتمع ب"جاهلي"، وأعلن مبايعته لأبوبكر البغدادي زعيم "داعش".