فى الدول العريقة ديمقراطيا تكون النخبة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو فنية أو اقتصادية، ذات حضور وتأثير، حيث يكون التواصل بينها وبين الشعب قويا وفاعلا.. لكنها فى الدول الفقيرة -ديمقراطيا- عادة ما تكون أقل حضورا وتأثيرا، بسبب ضعف التواصل، سواء كان هذا الضعف من جانب النخبة أو من جانب الشعب أو من جانبهما معا.. ومن البدهى والطبيعى أن تعمل أنظمة الحكم الديكتاتورية والقمعية على تقييد حركة النخب أو إقصائها أو عزلها أو ترويضها، حتى تنفرد هى بالشعب، فتذيقه ألوانا شتى من العذاب والهوان. وقد تمكن نظام حكم مبارك -عن طريق أجهزته الأمنية- من السيطرة كاملا على كل أشكال النخب الموجودة، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه نجح إلى حد بعيد فى مسخ تكوينها وتشويه صورتها.. وللأسف وجدنا هذه النخب لا تبدى مقاومة تذكر، بل إن بعضها إن لم يكن غالبيتها قد سارع إلى الاستجابة لهذا المسخ والتشويه، طمعا فى رضا النظام، أو فى ما يلقى إليها من فتات، وهو ما أفقدها الثقة والاعتبار على المستوى المجتمعى العام، وبالتالى لم يعد هناك من يصغى إليها أو يهتم بأمرها.. ونتيجة لذلك كله أصيب الشعب بحالة من السلبية واللامبالاة، أو حالة من العصيان المدنى غير المعلن.. لم يكن هناك آنذاك سوى الإخوان الذين يعملون بمثابرة ودأب -رغم الظروف الصعبة- على التواصل مع الشعب فى الأحياء والقرى والكفور والنجوع.. وكانت هناك أيضاً بعض فصائل من التيار الإسلامى.. أما الأحزاب التقليدية فلم يكن لها وجود.. وقد أدى فشل هذه الأخيرة إلى نشوء حركات تغييرية، إضافة إلى حركات الاحتجاج الاجتماعى، كان لها أكبر الأثر فى قيام ثورة 25 يناير. حين قامت الثورة، كان الأمل فى أن يكون للنخبة دورها فى استثمار الزخم الشعبى لتحقيق أهدافها التى نادت بها من حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.. كان الجو ساعتها مهيأ تماما لتكوين جمعية تأسيسية لكتابة الدستور، حيث كان جو الثورة ما زال مسيطرا على الجميع.. وقد جمعنى لقاء بقيادة الإخوان، فى مرحلة مبكرة بعد تنحية مبارك، وكان من رأيى أن تكون الجماعة مظلة تلتقى عندها كافة القوى الثورية.. لكن للأسف، لم يكن هناك فيما يبدو استعداد أو قناعة بذلك.. وضاعت الفرصة الذهبية.. من ناحية ثانية، ارتكبت القوى الثورية خطأ استراتيجيا قاتلا حين تركت سلطة الحكم للمجلس العسكرى الذى استعان بدوره بالقوى الإصلاحية -غير الثورية- فى القضاء على الوهج والألق الثورى.. كانت البداية فى التعديلات الدستورية، وانقسام القوى السياسية، ثم تشرذمها بعد ذلك.. ولأن التيار الإسلامى بطبيعته منظم وله رصيد فى ذاكرة ووعى الشعب، بعكس القوى الأخرى، فقد حقق الأغلبية الكاسحة فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، بل أصبح رئيس الجمهورية من الإخوان.. وبعد أكثر من مائة يوم من توليه منصبه، بات من الواضح أن الحمل ثقيل، لا يقدر الإخوان على القيام به بمفردهم، ربما لغياب الاستراتيجية وعدم وضوح الرؤية، فضلا عن نقص الكفاءات وقلة الخبرات، وضخامة التحديات.. على الناحية الأخرى، نرى القوى الثورية والتكتلات السياسية التقليدية تحاول إعادة لملمة صفوفها، لكن ليس لديها -للأسف- برامج واضحة للتواصل مع الشعب، ولا ندرى هل يحالفها التوفيق فى الانتخابات القادمة أم لا؟!