تعود العلاقة بين التنظيمات الجهادية، التي تمحورت في النهاية لتشكل تنظيم "داعش" في الأردن، لأكثر من 20 عاما، فالمؤسس الأول للتنظيم الإرهابي، أبومصعب الزرقاوي، أردني الجنسية، ساهم مع أبومحمد المقدسي، زعيم السلفية الجهادية في الأردن، في تشكيل أول تيار لسلفية الجهادية، بعد عودته من الحرب الأفغانية. وتشكل التيار في الأردن في مطلع التسعينيات، نتيجة لعدد من المتغيرات السياسية التي كانت تشهدها المنطقة العربية، ونتيجة لهذه المتغيرات، عاد ما يقرب من 300 ألف أردني من الكويت ودول الخليج، في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991، بالتوازي مع عودة الجهاديين الأردنيين، الذين شاركوا في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي السابق، محملين بتجارب قتالية وأفكار أكثر تطرفا وتشددا. وظهرت السلفية الجهادية في الأردن، على يد أبومحمد المقدسي وأبومصعب الزرقاوي، الأب الروحي لتنظيم "داعش" الإرهابي، بعد اجتماع بين الاثنين، عام 1993، حيث اتفقا على العمل سويا، لنشر الفكر السلفي الجهادي في الأوساط الأردنية، ومنه إلى المنطقة العربية، وهو ما ساعدهما على سرعة تشكيل جماعة جهادية، عرفت إعلاميا ب"بيعة الإمام"، على خلاف الاسم الحقيقي الذي كان سائدا بين الجهاديين وهو "تيار الموحدين"، وفي عام 1994، تم توقيع اتفاق السلام بين الأردن واسرائيل، الذي عرف ب"وادي عربة"، وحينها أعلنوا صراحة تكفيرهم للأنظمة الحاكمة ورفضوا المشاركة في الانتخابات. وفتاوى الزرقاوي والمقدسي، بتكفير الأنظمة العربية، ورفض المشاركة في الانتخابات، دفعت قوات الأمن الأردنية سريعا للقبض عليهما، وعلى جميع أفراد التنظيم الذي شكلاه، وفي السجن بدأ الخلاف بين المقدسي والزرقاوي، حول أمور فقهية ومنهجية، والخلاف الحادث اليوم بين "القاعدة" و"داعش"، تعود جذوره للخلافات بين الرجلين، بدليل موقف المقدسي المعارض ل"داعش" الآن. وأصل الخلاف بين زعيما السلفية الجهادية، دفع المقدسي لكتابة رسالة للزرقاوي بعنوان: "الزرقاوي.. مناصرة ومناصحة"، طلب فيها من الزرقاوي، أن يكون جهاده ضد الغرب "العدو البعيد"، ولا يكون ضد الدول العربية، على الرغم من تكفير حكامها، لتشكيل محضن شعبي، وعدم تكريه المواطنين في الحركة الجهادية. وفي هذا الوقت، أعلنت جماعة مقربة من عبدالله عزام، الأب الروحي للحركة الجهادية، وأستاذ أسامة بن لادن، عُرفت ب"جيش محمد" عن نفسها، وكانت تخطط لاغتيال الملك الحسين بن طلال العاهل الأردني، إلا أنه تم القبض عليهم، فيما أفرج عن الزرقاوي والمقدسي عام 1999، عقب تولي الملك عبدالله الثاني الحكم، واتجه الزرقاوي لأفغانستان، فيما اكتفى المقدسي بالتنظير الجهادي قبل أن يعود للسجن مجددا مع نهاية 1999، في القضية التي عُرفت إعلاميا ب"تفجيرات الألفية"، إلا أنه خرج بعد عام من الاعتقال بعد تبرأته. وبعد خروج الزرقاوي من السجن، شارك في محاولة لتفجير فندق راديسون في عمان، الذي كان يسكنه السياح الإسرائيليين والأمريكيين، وهرب بعدها إلى بيشاور بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وتمت إدانته في وقت لاحق وحكم عليه بالإعدام غيابيا، بتهمة التآمر للهجوم على فندق راديسون، كما حكم عليه غيابيا في قضية تنظيم الخلايا مدة 15 عاما من قبل محكمة أمن الدولة الأردنية، وبالإعدام في قضية تنظيم "القاعدة". ومع خروج الزرقاوي من السجن عام 1999، تنقل بين أفغانستان وإيران، ثم استقر في بغداد ليشكل جماعة "التوحيد والجهاد"، تنظيم "داعش" الآن، عقب الاحتلال الأمريكي. في 2004، أعلن الزرقاوي بيعته لأسامة بن لادن، وتغير اسم تنظيمه إلى "القاعدة في بلاد الرافدين"، ولم يكتف الزرقاوي بمحاربة الأمريكيين، بل أرسل مجموعات للقيام بعمليات في الأردن، كان بينها تفجيرات عمان 2005، التي استهدفت 3 فنادق رئيسة، أسفرت عن مقتل 60 وإصابة 100. ومن أخطر العمليات التي خطط لها الزرقاوي ضد الأردن، والتي كان من المفترض تنفيذها عبر ما يسمى ب"كتائب التوحيد" بقيادة عزمي الجيوسي، كانت التخطيط لهجوم كيميائي يستهدف مبنى المخابرات العامة الأردنية، والسفارة الأمريكية بالعاصمة عمان ورئاسة الوزراء، وكان من الممكن أن يقتل 80 ألفًا، وجهز التنظيم لهذه العملية ما يقرب من 20 طنا من المتفجرات الكيميائية، وفقا لاعترافات الجيوسي، على شاشة التليفزيون الأردني، وضعت في حاويات حملتها شاحنات، وأشرف الزرقاوي بنفسه على العملية. وفي 20 أبريل 2004، وقبيل تنفيذ العمليّة، تم القبض على أعضاء التّنظيم، وقُتل منفذوا العملية أثناء مواجهات مع قوات الأمن الأردنية، وكان الجيوسي المسؤول الأول، الذي قام بشراء المعدات اللازمة، بعد أن أرسل له الزرقاوي 170 ألف دولار تكاليف العملية. تدرج أسلوب الزرقاوي في تنفيذ العمليات الانتحارية، فبدأ باستخدام عناصر غير أردنية لتنفيذها، وفي أغسطس 2005، نفذت الحركة "تفجيرات العقبة" بواسطة صواريخ كاتيوشا، أسفرت عن مقتل جنديّ وإصابة آخر، وألقي القبض على بعض المشاركين في هذه العملية، وهم 3 سوريين وعراقي، والذين صدرت أحكام الإعدام بحقهم من محكمة أمن الدولة. وانتشرت أفكار الزرقاوي، وتطورت ونجح في ذلك التوقيت حتى 2005، في ضم الكثير من شباب الأردن لتنظيم القاعدة، في ظل سجن المقدسي في الفترة من 2002 ل2005، وقتل الزرقاوي عام 2006، وبرزت بعد وفاته خلافات داخل التيار الجهادي بين أتباع المقدسي، الذي يميل إلى العمل السلمي في الأردن، وإلى توجيه انتقادات لبعض أفكار وممارسات الزرقاوي، ومجموعته التي تتمسك بالعمل المسلح، وبمنهج الهجرة والمشاركة في ساحات القتال مع القاعدة في مناطق أخرى من العالم. واستمر تنظيم "القاعدة في بلاد الرافين"، يتغير ويتعرض لضربات أمنية ويقوى مع الوقت، حتى بداية الثورة السورية عام 2011، وشكلت الحرب في سوريا نقطة تحول إضافية للسلفيين الجهاديين في الأردن، والذين تحركوا عبر الحدود بعد خطاب القيادي أبومحمد الطحاوي في يونيو 2012، دعا فيها الجهاديين الأردنيين إلى الجهاد في سوريا، قائلا: "مسؤولية كل مسلم صالح أن يعمل على وقف إراقة الدماء، التي يقوم بها النظام السورى (بحق السنة)"، ليشهد بذلك تنظيم السلفيين الأردنيين تحوّلاً أيديولوجيا ترافق مع تركيز جديد على "العدو القريب"، والمتمثل في نظام بشار الأسد وقواته، وبذل محاولات لإنشاء ما يسمونه "ديار التمكين" في سوريا، بهدف الحصول على حصن يستطيعون أن يوسعوا من خلاله أنشطتهم باتجاه بلدان أخرى في المنطقة، عبر البناء على التدريب الذي خضعوا له. أعداد السلفيين الأردنيين يصل الآن إلى 15000 سلفيا، وفقا لأبحاث رسمية أردنية، ولكن تقدر أعداد الجهاديين منهم بنحو 5000 جهاديا، وهم مجرد جزء من المجموعات السلفية الأوسع نطاقا في الأردن، وكان السلفيون الأردنيون والجهاديون من بينهم، يعملون في الخفاء في شكل أساسي، إلا أن الاحتجاجات التي شهدتها الأردن في 2011 و 2012، سمحت لهم بالخروج إلى العلن والظهور أكثر على الساحة العامة من خلال المشاركة في المسيرات التي خرجت إلى الشوارع. ومع تطور تنظيم "داعش"، الذي وضع الزرقاوي بذرته بدأ التحالف الدولي، الذي شكلته الولاياتالمتحدةالأمريكية، وشاركت الأردن في هذا التحالف، وفي إحدى الغارات الجوية سقط معاذ الكساسبة الطيار الأردني، في 24 أكتوبر الماضي، وحاولت الأردن مبادلته بالسجينة ساجدة الريشاوي، التي شاركت في تفجيرات عمان عام 2005، إلا أن التنظيم قتله حرقا، ما دفع الحكومة الأردنية لإعدام الريشاوي وآخرين، فيما هدد "داعش" بمزيد من العمليات الإرهابية.