اندس وسط الجموع المتحمسة يوجه أعوانه كى يدفعوا بالشباب بسيط الثقافة والأفق لبطولة مزيفة.. وأهم ما يجب تنفيذه طبقاً للخطة الموضوعة هو إقناع الشباب باقتحام استاد الدفاع الجوى دون تفتيش بحجة إدخال الشماريخ والألعاب النارية وأسلحتهم البدائية التى أحضروها بحسن نية طبعاً لحماية أنفسهم وإثبات رجولتهم.. لكن الحقيقة التى لا يعلمونها هى أنه بذلك يستطيع زرع القنابل التى يخفيها أعوانه فى اللحظة المناسبة لقتلهم هم أنفسهم مع بقية المغدور بهم فى الجوار.. لكن يصطدم الجميع بعدم إمكانية تحقيق ذلك فيحاول البعض -من الموجودين مصادفة ومن ليس لديهم نزعات عدوانية للتخريب- أن يرجعوا للابتعاد عن مرمى القنابل المسيلة للدموع التى تم إطلاقها لحماية البوابة، نتيجة التفوق العددى للمقتحمين. أدرك أن الخطة سوف تفشل.. فالمطلوب أكبر قدر من الخسائر البشرية، ولن يتحقق ذلك فى حالة اتساع ساحة المواجهة والقدرة على التراجع.. وهو مدرب جيداً على التصرف فى تلك المواقف، وبإشارات متفق عليها بدأ أعوانه الخطة (ب)حيث قاموا بدفع الجموع من الخلف ليصعب الرجوع فى وجود النفق الضيق المخصص للمرور فرادى للتفتيش والسيطرة على مدخل الاستاد.. وتنطلق عبارات مستفزة وجارحة لرجال الشرطة تُبتَكر بمنطق جر الشكل كجزء من خطة هجومية تافهة للتمسك بالقفز فوق أسوار الاستاد والقواعد والنظام وإهانة الدولة فى حالة من السادية المنظمة لإثارة فتنة وحرب كلما أوقدوا لها ناراً أطفأها الله، مستثمرين ميراثاً ما زلنا نجتره مَراراً فى حلقنا حسرةً على رفقاء الضحك والدموع الذين رحلوا بلا ثمن. لقد كانوا يريدونها «مجزرة بورسعيد ثانية» بغباء البلهاء وذكاء العملاء. وتندلع النيران فى سيارة الشرطة.. وتنطلق بعض الأعيرة النارية فى وسط الفوضى (طبعاً من نفس النوع الذى تستخدمه الشرطة).. والذين يسقطون هم الأبرياء بعد أن أصبحوا محاصرين بين المطرقة والسندان وقد زُج بهم دون أن يدروا.. أما مدبرو الأحداث فهم فى أمان على الأطراف للكر والفر فقط.. ينسحب فى الوقت المناسب كمحترف وقد فشلت خطته الأساسية.. يستمع إلى راديو سيارته الفارهة أثناء ابتعاده عن منطقة الأحداث.. فيقل إحساسه بالهزيمة.. تنفرج أساريره وهو يتنقل بين الفضائيات المتباكية على الشباب البرىء الذى مات لأنه كان يريد أن يشجع فريقه.. يسخر من نحيب الجميع من تعنت الشرطة ووحشيتها؛ فهذا انتصار يعوضه قليلاً عن فشل المهمة وقد تبرع به البعض دون أى مجهود منه.. فقد كان المستهدف من الخطة: ■ تحقيق فضيحة عالمية مدوية فى هذا الموعد تحديداً قبل زيارة الرئيس الروسى بيوم واحد. ■ إحراج الدولة المصرية المتفشية فيها الفوضى والتى لا تستطيع حماية مواطنيها فى مباراة كرة قدم. ■ حصد المئات من الأرواح لو تمكن هو وأعوانه من دخول الاستاد. ورغم أن ما تم تنفيذه لن يحقق الهدف فإنه كافٍ للحصول على بعض التحويلات المالية المتفق عليها.. مضى مندهشاً من بقاء هذا الشعب فى رباط رغم كل التقنيات الحديثة المكرسة لتفتيته.. لكنه فى النهاية شعب عاطفى ساذج فقير، وهو وأجهزته الأقوى عالمياً ما زال لديهم خطط كثيرة له (وياما فى الجراب يا حاوى). لكن لو أرهق نفسه قليلاً ضمن دراسته الوافية لتاريخ وواقع هذا الشعب وسيكولوجيته لأدرك أن بقاءنا قدر إلهى إلى يوم الدين. وبين دموع الرحيل وعلامات الاستفهام، انهمك الجميع فى الإدلاء بدِلائهم.. ومعاونة أعداء الوطن بحسن نية -تلك التى يمتلئ بها الطريق إلى جهنم- بدءاً من (عواجيز الفرح) على المقاهى العارفين بكل الأشياء نهاية بأبواق إعلامية مدفوعة الأجر أو مستميتة لسرقة الكاميرا، بتعبير أهل الفن.. وأخيراً المجرم الأكبر هو الفئة المستفيدة من إقامة المباريات رغم تلك الأجواء غير المناسبة من أجل مكاسب كبيرة يحصدونها ولا يهمهم من يموت ومن يعيش.. ويستمر اللغط والأحاديث الساذجة دون أن يدرك الجميع كيف كنا على شفا حفرة من النار.. وكيف تنقذنا العناية الإلهية من كيد الكائدين وجهل الجاهلين... فلكِ الله يا مصر... لك الله يا مصر.