فرغ القوم لتوهم من حملة شرسة منظمة ومرتبة على أعظم عقل أنجبه الإسلام فى علم الحديث، وهو الإمام البخارى.. بعدما دشّنوا حملات سابقة على أبى حنيفة أعظم عقل أنجبه الإسلام فى الفقه، والذى دشن تلميذه الشيبانى علم القانون الدولى قبل أوروبا الحديثة ب13 قرناً.. مروراً على الشافعى الذى أدخل علم أصول الفقه.. وأحمد بن حنبل الذى يريدون إدخاله قسراً فى زمرة الداعشيين، مع أنه كان ينهى منذ قرون عن «شوى السمك وهو حى».. احتراماً لألم السمكة التى ستُؤكل بعدها. واليوم يقترب الهجوم من النبوة، فيهاجموا وزيره الأول وصدّيق هذه الأمة ورمز يقينها، الذى يعدل إيمانه إيمان هذه الأمة.. والذى لم يتلعثم إيمانه ولا يقينه قط. بدأ الهجوم على «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ».. الذى مدحه الرسول قائلاً: «ما لأحد عندنا يد إلا وكافأناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة». بدأت إشارة الهجوم الإعلامى على من وصفه الله بتعبير «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ».. والذى أعطى ولم يستبق شيئاً وأول من أسلم. بدأ الهجوم على وزير النبى ومستشاره الأول والأقرب والأحب إلى قلبه.. والذى ما غاب عنه يوماً فى حياته قبل الرسالة أو بعدها.. والذى يجاوره فى قبره حتى الآن.. وكأن الله أراد أن يجمعهما فى الدنيا وفى القبر وفى الجنة.. فمن زار النبى لا بد له أن يزوره مع رفيقهما العظيم عمر بن الخطاب، الخليفة العادل الشامخ.. فى إشارة لا تخفى على أحد أنه لا يمكن الفصل بين هؤلاء الثلاثة. بدأ الهجوم الكاسح اليوم ليتجاوز العلماء والفقهاء والتراث ليصل إلى عمود من أعمدة الرسالة المحمدية مدحه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بقوله: «ما نفعنى مال لأحد قط مثلما نفعنى مال أبى بكر.. وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة وتردد عدا أبى بكر، فإنه لم يتلعثم». إنه صاحب الإيمان الذى لم يتلعثم واليقين الذى لم يتردد، يتلقى اليوم الطعنات الغادرة.. فعذراً سيدى أيها الصدِّيق العظيم.. فالقوم لا يقدّرونك قدرك ولا يعرفون مكانتك.. أنت الذى لم تتلعثم يوم أن سمعت بنزول الوحى على الرسول أول مرة، فصدّقت وآمنت من فورك دون تردّد أو تشكك. عذراً أيها الصدِّيق، فلم يكن هؤلاء معك ولم يعرفوك يوم كنت سبباً فى إسلام أكبر الصحابة، فبعد أيام من إسلامك أتيت إلى النبى، ومعك عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبدالله ليعلنوا إسلامهم. عذراً أيها الصدِّيق، فهؤلاء وأمثالهم لم يدركوا أن إيمانك بصدق النبى والنبوة لم يتزعزع حتى فى أحلك المواقف، فيوم الإسراء والمعراج تلعثم إيمان الكثيرين.. وترددت النفوس بين الإيمان والشك والتصديق والكفر.. فكيف يقطع الرسول المسافة بين مكة والقدس ذهاباً وإياباً فى ساعات.. ولكنك قلت «إن كان قد قال فقد صدق، إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك.. أصدقه فى خبر السماء يأتيه فى غدوة أو روحة». وفى الحديبية، يوم أن قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشروط قريش المجحفة، إيثاراً للسلم ورغبة فى الهداية لا الحرب.. فيغتاظ الصحابة ومنهم «ابن الخطاب»، قائلين: «لمَ نرض الدنية فى ديننا»، فيقول لهم رسول الله، عليه الصلاة والسلام: «يا عمر إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصرى».. فيذهبون إلى الصدِّيق العظيم صاحب الإيمان الذى لا يتردد فيجذب عمر بقوة كأنما يوقظ إيمانه ويقينه «إنه رسول الله وإن الله ناصره وإنه على الحق». لقد فهم أبوبكر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نظر إلى المستقبل بعيون الداعية، فرفض أن يدخل فى حرب يقتل فيها أمثال خالد بن الوليد وابن العاص أو عكرمة أو فرسان قريش الذين رآهم الرسول بعينى بصيرته مشاريع هداية وخير قادة لجنوده وجيوشه فى المستقبل.. وأن هدايتهم أعظم من حربهم.. وصلاحهم أعظم من وأدهم.. وإدخالهم الجنة أعظم من حشرهم إلى القبر أو النار. عذراً أيها الصدِّيق فبعض القوم يريدون أن ينسبوك إلى «داعش» أو ينسبوا «داعش» إليك. آهٍ يا أيها الصدِّيق الرفيق الرقيق العطوف.. ففى نهاية الزمان يأتى من لا تدقيق لديه ومعلوم كراهيته لك ولعمر بن الخطاب، ليقول إنك أحرقت رجلاً مسلماً.. ناسياً أنك من نصحت الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالعفو عن أسرى بدر المشركين وأن يقبل منهم الفداء.. حتى شبهك الرسول الكريم بإبراهيم، عليه السلام، فى عفوه ورحمته. عذراً أيها الصدِّيق نيابة عمن يريد أن يربطك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ب«داعش» وأخواتها.. ناسياً أنك كنت توصى جيوشك وهى ذاهبة إلى الحرب بالآتى: «لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا فانياً ولا راهباً ولا تقطعوا شجرة ولا نخلة»، حتى الشجرة والنخلة المثمرة فى أرض عدوك المحارب احترمتها أيها الصدِّيق.. وكنت تقول لهم «لا تحرقوا شجرة ولا نخلة»، فالذى ينهى عن حرق الشجرة والنخلة فى أرض العدو، هل سيحرق الإنسان؟! عذراً أيها الصدِّيق.. لقد نسى القوم أنك كنت «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ».. فما أدرك القوم عظمة هذا الثناء.. فلا تدرى أيهما الثانى للآخر.. هل الرسول أم أبوبكر؟! عذراً أيها الصدِّيق فقد نسى القوم مدح القرآن لك «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى».. وكفاك ثناء الله عليك بالصحبة ووسام «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا».. فالله معك يا أبا بكر، فلا تحزن من شتم الشاتمين وسب المغرضين. عذراً أيها الصدِّيق فقد نسى القوم أنك تصدقت بمالك كله فى سبيل الله حتى سألك الرسول (صلى الله عليه وسلم): «ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر.. فقلت: أبقيت لهم الله ورسوله»، والغريب أن الذين يشتمونك لا يؤثر عنهم النفقة أو العطاء لفقير أو مسكين أو يتيم أو محروم.