قرار اتسم بالحصافة والذكاء الإعلامى، كانت قد اتخذته إدارة قنوات cbc أن تشغل فترة ميتة من فترات البث التليفزيونى اليومية النهارية، فكانت فكرة برنامج «الستات ما يعرفوش يكدبوا» ليخاطب مجتمعات نصف الدنيا فى كل أحوالها وتشابكاتها الإنسانية مع مجتمع يرى رجاله أنهم سادة الزمان وأصحاب السلطة والسلطان والأعلون بفرمان غير قابل للجدل والحوار، مع أن الأعلون فى آيات القرآن الكريم {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}آل عمران139، لتختار العلو الذى اختاره الله للمؤمنين، وإن هذا العلو اختاره الله لأهل الإيمان لأنه لا يستحقه سواهم.. وفى المسيحية، جاء بالكتاب المقدس «وأما أنتم الأفراد فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه» اف 5: 33.. منذ قدم الكوميديان الرائع إسماعيل ياسين فيلم (الستات ما يعرفوش يكدبوا) عام 1954 مع الفنانة شادية بالاشتراك مع شكرى سرحان وزينات صدقى، والذى لاقى فيه المتاعب مع بطلة الفيلم وأكاذيبها وهو يحاول إنقاذها من تبعات تلك الأكاذيب فى مفارقات كوميدية طريفة، وعنوان الفيلم يستخدم إلى الآن فى مداعبات وطرائف عند الحديث عن بعض مجتمعات النميمة النسائية التى لا تخلو من الخبص والكذب وحكاوى قعيدات كنب غرف المسافرين، أو عبر بلكونات وشبابيك تقترب إلى حد التلاحم لفرط قربها فى زقاق أم حلاوتهم الكدابة.. وفكرة عنوان الفيلم كان الدافع أيضاً لإنتاج برنامج يحمل ذات الاسم وباختيار ثلاث سيدات (مطربة سابقا ومذيعة سابقة بالتليفزيون المصرى ومحامية، وأظن أن التنوع فى اهتماماتهن ومن أجيال مختلفة أمر طيب وجيد) للجلوس على كنبة حريمى فى قعدة ونسة بيتى حميمة لتبادل حكاوى الشارع المصرى، بداية من الشخصى منها وحتى القضايا العامة ولكن والحق يُقال بعيداً عن الخبص والنميمة والخوض فى رذائل وتفاهات الأمور.. أيضاً أحيى تنوع المواد المقدمة، ويبقى عليهن التأكيد على مصداقية ما يقدمن حتى يصبح المسمى مطابقاً لفحوى مواد البرنامج وأهدافه، وأرى أن أهم ما ينبغى طرحه فى تلك الفترة الدفاع عن حقوق المرأة، وحقوقها ليس من بينها بالطبع حقها فى قهر الرجل فى البيت، حتى لو كان رداً لقهره لها فى الشارع والعمل لو تزيد فى مطالبه. لقد بات أمراً رذيلاً استمرار تعمد إبعاد المرأة عن المشاركة فى حصد غنائم ثورة، وهى التى كان لها مشاركة بارزة وهائلة فيها منذ إرهاصات حركات الغضب الرائعة مثل «كفاية» و«كلنا خالد سعيد» و«6 أبريل» وصولاً لعضوية كافة ائتلافات الشباب منذ اللحظات الأولى والعمل الثورى الفاعل، ونلن نصيبهن الأكبر من الضرب والسحل والإهانات اللفظية وحتى كانت كارثة تعرية الجسد والركل ببيادات الغباوة اللا إنسانية!! لكن الأمر الأغرب ظاهرة خروج بعض من كانوا يصيحون فى فضاء مجتمع ما قبل الثورة بحقوق من تم تهميشهم بشكل عام والمرأة بشكل خاص، ليهاجموا المشاركة البطولية للمرأة المصرية إلى حد إهانة من تم سحلهن فى ميدان التحرير، والأكثر غرابة أن تأتى تلك الهجمات على لسان من يدعين أنهن من النخبة النسائية إلى حد سخريتهن السمجة تعقيباً على حالة الفتاة التى تمت تعريتها (وترديد حكاية الست أم عباية بكباسين مثالاً على قبح التناول والكتابة فى حضرة ثورة كان للمرأة فى ميدان التحرير الدور الرائع فيها). تضيف كاتبة مخضرمة ساخرة: وعلى الماشى إلى الفتاة المسحولة.. يا فتاة الاعتصامات فى الشوارع والنوم على الأرصفة.. لقد خسرت كثيرا بكثرة نشر صورتك «المفضوحة» التى عرضتك لكثير من القيل والقال.. وكان ممكنا جدا أن تأخذى حقك من الفاعلين مع حفظ شرفك ومنع نشر صورك بهذه الطريقة وهذا الانتشار وعلى رأى المثل القائل «ضربوا الشريفة منعت ودارت وضربوا المذنبة أعلنت ونشرت».. كان أشرف جدا يا فتاة الاعتصام والمشاجرات والتخريب منع نشر صورتك بهذه الطريقة وطالبت بحقك وأخذت حقك بالقانون حماية لك مما تعرضت له سمعتك من الأقاويل والحكاوى وشهادات الحق والباطل!!.. ولا تعليق لدىّ سوى أن أهديها تلك الأبيات للشاعر الوطنى الثائر الكبير فاروق جويدة من قصيدته «عتاب من الشهداء»: هانتْ على الأهل الكرام دمانا / وتفرقتْ بين الرفاق خطانا / عدنا إلى الميدان نسأل حلمنا / والناس تسأل: ما الذى يبقى لنا بعد الشهادة موطنا ومكاناً / فى ساحة الميدان صليْنا معا / قمنا حشودا نرجم الشيطانا / سحلوا النساء.وضاجعوا الشيطانا. عودوا إلى الميدان. قوموا فتشوا / عن عاشق فى حبه كم عانى / هو لم يكن جيلا طريدا ضائعاً / بل كان شمسا أيقظتْ أوطانا / من قام يوما يرفض الطغيانا / لا. لن يكون منافقا وجبانا. أخيراً إلى أسرة إعداد برنامج «الستات ما يعرفوش يكدبوا» الناجح، ما رأيكم دام فضلكم فى الحالة التى عرضت؟! وتحية إلى المعدة الرائعة سهير جودة التى استطاعت هى ومخرج البرنامج أحمد مصطفى تكوين حالة بيتوتية جميلة..