على مدى ثلاثة أيام متواصلة عانت مناطق متفرقة بفرنسا من إرهاب غاشم جبان، لقى فيها اثنا عشر شخصاً مصرعهم فى الهجوم الأول على مجلة «شارلى إيبدو»، ثم أعقبه مقتل شرطية، ثم تطور الأمر لاحتجاز رهائن أبرياء فى هجوم بغيض، هو الأعنف منذ أربعين عاماً فى فرنسا، انتهت هذه الاعتداءات بتحرير الرهائن وقتل الأخوين «كواشى» ومسلح آخر شارك فى إحدى عمليات الاحتجاز فى مشهد أمنى غير مسبوق بعد مطاردة طويلة شارك فيها المئات من رجال الأمن الفرنسيين من مختلف القطاعات. إن تلك الحادثة الخارجة عن نطاق المألوف بعاصمة النور قد سببت الصدمة والحزن ليس للفرنسيين فقط بل للعالم أجمع الذى شهد حالة من التضامن الدولى الواسع. تلك الحوادث الإجرامية دعت الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند للتعبير عنها بأن فرنسا تمر بمحنة بكل معنى الكلمة وأنها ستتمكن من الصمود أمام كل المحن وستكون قادرة على الوحدة، مشيراًَ إلى أنه لا بد من طمأنة الفرنسيين من أنهم يعيشون فى دولة القانون من خلال مراجعة المنظومة الأمنية. ودعا الرئيس الفرنسى شعبه للخروج فى مظاهرات حاشدة لإدانة الإرهاب فى موقف مماثل لما حدث فى جمهورية مصر العربية فى 26 يوليو 2013 لدعم الجيش والشرطة وتفويضهم لمواجهة الإرهاب والعنف. وفى السياق ذاته تمت الدعوة لعقد اجتماع لوزراء داخلية الدول الأوروبية بمشاركة الولاياتالمتحدةالأمريكية لبحث سبل مواجهة تفشى ظاهرة الإرهاب. إننى أدين وأرفض جميع أشكال الإساءة للأديان كافة وأرفضها تماماً، إلا أن هذا الاعتداء الغاشم الذى وُصف بأنه رد على الرسومات المسيئة التى نشرتها مجلة «شارلى إيبدو» أظهر تنامى دور الجماعات الإرهابية فى كل دول العالم من خلال نشر قواعدها الساكنة فى انتظار اللحظة المناسبة للقيام بعملياتها التى تستغل فيها ستار الدفاع عن الدين الإسلامى كمظلة لتنفيذ مخططاتها، حيث أظهرت المعلومات والتحقيقات فى هذه الاعتداءات الأخيرة أن الأخوين كواشى اللذين نفذا الهجوم على مقر مجلة «شارلى إيبدو» كانا على صلة قوية ببعض التنظيمات الإرهابية فى اليمن، وهو الذى يؤكد أنهما مُعدّان ومدربان سلفاً للقيام بتلك العمليات الدنيئة. لقد نبهت جمهورية مصر العربية إلى خطورة تفشى ظاهرة الإرهاب بالمنطقة فى وقت مبكر وبح صوتها لفترات طويلة بضرورة تعاون دول العالم أجمع للقيام بدورها المسئول فى المواجهة الشاملة مع جميع التنظيمات الإرهابية دون استثناء وعدم التركيز على تنظيم دون غيره والعمل على قطع وتجفيف منابع التمويل عنها بالإضافة إلى المعالجة الأمنية والقانونية، فضلاً عن معالجة الجوانب الثقافية والفكرية والاجتماعية لظاهرة الإرهاب، وضرورة التعامل مع ظاهرة الإرهاب من منظور واحد وعدم الكيل بمكيالين متجاهلين فى ذلك ما يحدث فى مصر وليبيا واليمن والعراق وسوريا. لقد حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى مراراً وتكراراً دول الغرب من مخاطر الجهاديين الأجانب وكان آخر تلك التحذيرات خلال زيارته لدولتى إيطالياوفرنسا محذراً تلك الدول من مواطنيهم الذين ينضمون للقتال، مؤكداً أن هؤلاء المواطنين عندما يعودون إلى مجتمعاتهم سينفذون الممارسات نفسها حيث لا يوجد بلد واحد بمنأى عن هذه العقيدة، واصفاً عودتهم بأنها ستكون كارثية. إن استراتيجية الحرب ضد الإرهاب يجب أن تشمل توضيح خطورة الأفكار التكفيرية المتطرفة للجماعات الإرهابية للدول الأوروبية مع ضرورة التأكيد على أنها بعيدة تماماً عن قيم وتعاليم الدين الإسلامى الصحيح ومبادئه المعتدلة والسمحة التى تلفظ هذه الأفكار المتطرفة فى ظل نشر قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة والتعايش السلمى.