ينتظم الباب الأول فى مسودة الدستور التى وضعتها الجمعية التأسيسية، باب الدولة والمجتمع، فى 27 مادة. ووظيفة هذا الباب هى تحديد هوية الدولة والمجتمع فى مصر ومقوماتهما الأساسية التى ينبغى أن تشكل مجتمعة إطارا واضحا لحياتنا كمواطنات ومواطنين. تحدد المواد من 1 إلى 11 هوية الدولة والمجتمع، وأتناول اليوم المواد الأولى والثانية والثالثة. فتقرر المادة 1 كون جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة ونظامها ديمقراطى وشعبها جزء من الأمتين العربية والإسلامية ويشارك بإيجابية فى الحضارة الإنسانية، وهى حقائق تتوافق عليها أغلبية كاسحة بين المصريات والمصريين. فقط أتمنى أن يعاد النظر فى العبارة التى تتضمنها نفس المادة وتشير إلى اعتزاز الشعب المصرى بانتمائه لحوض النيل وأفريقيا والامتداد الآسيوى. فنحن حضاريا وثقافيا وحياتيا جزء من حوض النيل وأفريقيا. ومن الأفضل أن ينص الدستور على كون الشعب المصرى جزءا من الأمتين العربية والإسلامية ومن حوض النيل وشعوب القارة الأفريقية. أما الاعتزاز بالانتماء فيمكن أن يوظف كصيغة حين الإشارة للامتداد الآسيوى لمصر. ثم تنص المادة 2 على كون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. هذه المادة محل توافق وطنى يترجم دستوريا هوية مصر الإسلامية ويتجاوز الجمعية التأسيسية والقوى الممثلة بداخلها، والاحتفاظ بمبادئ الشريعة كالمصدر الرئيسى للتشريع دون استبدال لكلمة مبادئ بأحكام أو بإشارة عامة للشريعة كان من بين مطالب القوى والتيارات المدنية، وكذلك المؤسسة الدينية الرسمية، الأزهر الشريف. إلا أن الإشكالية المتعلقة بالمادة 2 تأتى من خارجها، من مادة أخرى فى النص الدستورى وهى المادة 221 (الواردة فى الباب الخامس، أحكام ختامية وانتقالية، تحت بند الأحكام العامة). حيث تنص هذه المادة على شمول مبادئ الشريعة أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، وهو ما يتجاوز سياق تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية الذى طور منذ 1980 من قبل الأزهر الشريف والمحكمة الدستورية العليا. والأفضل، من أجل إزاحة الغموض والبقاء فى إطار التوافق الوطنى بشأن مبادئ الشريعة، أن تحذف المادة 221 من النص الدستورى. تحمل المادة الثالثة ترجمة دستورية لقاعدة احترام شرائع المسيحيين واليهود، وهى القاعدة التى تتسق مع مبادئ الشريعة الإسلامية. مبادئ شرائع المصريين المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية، صياغة واضحة لقاعدة محل توافق مجتمعى والنص عليها فى الدستور دليل اعتراف له أهمية رمزية بالغة بتنوع انتماءات المصريات والمصريين الدينية. نتابع فى الغد إن شاء الله.