منذ تشكلت حكومة المهندس إبراهيم محلب غداة تنصيب الرئيس السيسى فى الثامن من شهر يونيو 2014، كان الشغل الشاغل لها تسيير الأمور والتعامل مع المتطلبات العاجلة فى مجالات تنشيط الاقتصاد الوطنى وتفعيل الجهاز التنفيذى للدولة بأقصى طاقة ممكنة للوفاء باحتياجات المواطنين فى مجالات الخدمات العامة الأساسية ومحاولة تحسين مستوى جودة تلك الخدمات ورفع كفاءة المؤسسات العامة فى التعليم والصحة وغيرها، وتحسين ظروف الحياة وتوفير أقصى ما يمكن تقديمه من الرعاية والعدالة الاجتماعية. وكان ذلك الانشغال بالأمور العاجلة حتى إنها لم تعلن عن برنامجها ولا أفصحت فى بيان رسمى عن أولويات عملها، مكتفية بتبنى المشاريع العملاقة التى أعلنها الرئيس مثل مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع استصلاح أربعة ملايين فدان من ضمنها إحياء مشروع توشكى، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة على طريق السويس وغيرها. هذا إلى جانب الانشغال المحورى للحكومة فى مكافحة وتجفيف منابع الإرهاب، والعمل على تأمين الوطن والمواطنين وأفراد القوات المسلحة والشرطة من الجماعات الإرهابية التى رفعت معدلات ارتكابها لعمليات الاغتيال لشهداء الشرطة فى الأيام الأخيرة، وكذلك توالت محاولات تفجير منشآت شرطية وغيرها من عمليات زرع قنابل فى قطارات ومحطات ومسارات السكك الحديد. وبنفس المنطق، كان واجباً على الحكومة المؤقتة البدء فى عمليات مكافحة وتجفيف منابع الفساد والتصدى لكافة أوجه ومظاهر الفساد المالى والإدارى فى الدولة، ومحاولة إنقاذ ما يمكنها إنقاذه من قطاع الأعمال العام الذى تعرض لتدمير وإهدار طاقاته الإنتاجية نتيجة برنامج غير وطنى للخصخصة. ولكن باعتبار كونها حكومة مؤقتة، لم تسارع فى بداية عهدها باقتراح مشروعات قوانين حتى فى الأمور التى كانت تحتم عليها الموافقة على قوانين مثل قانون مكافحة الإرهاب والقانون الذى ناقشته الحكومة بعنوان «الكيانات الإرهابية» والذى تراجعت عن إصداره. وحتى لجنة الإصلاح التشريعى التى أصدر الرئيس قراراً بتشكيلها برئاسة رئيس الوزراء يوم 17 يونيو، وعهد إليها بتكليفات محددة وإنجاز صياغة وتعديل تشريعات مهمة لدفع عجلة الاستثمار فى البلاد، ونص القرار الجمهورى على أن يعرض رئيس مجلس الوزراء تقريراً شهرياً على رئيس الجمهورية بنتائج عملها على أن تنتهى من التشريعات العاجلة فى صورتها النهائية وعرضها على رئيس الجمهورية خلال شهرين من تاريخ تشكيل اللجنة. وانتهت المدة وقرر الرئيس بعد اجتماعه باللجنة مدّ المدة مع إمهال اللجنة شهراً. وتأتى على قائمة التشريعات التى تحتاج إلى معالجة سريعة حزمة التشريعات الضريبة الأخيرة التى أقرها مجلس الوزراء والمتعلقة بضرائب الدخل وضرائب الأرباح الرأسمالية، بالإضافة إلى التعديلات على قانون ضمانات وحوافز الاستثمار ومراجعة قوانين مكافحة الإرهاب. ولكن إلى اليوم لم يصدر عن اللجنة أى من مشاريع القوانين التى كلفها الرئيس بها فى حدود علمى حتى قانون الاستثمار الموحد الذى يعوّل الرئيس أهمية كبيرة على صدوره قبل انعقاد مؤتمر أصدقاء مصر فى شهر مارس المقبل! والحقيقة فإن الحكومة الحالية تُعتبر بكل المعايير حكومة مؤقتة إلى أن تتم انتخابات مجلس النواب التى أكد الرئيس إجراءها فى شهر مارس المقبل، وطبقاً للمادة 146 من الدستور «يكلف رئيس الجمهورية رئيساً للوزراء بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء المجلس خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل». أى أن هناك احتمالين أمام الحكومة الحالية بعد انتخاب مجلس النواب، الأول؛ أن يعيد الرئيس تكليف المهندس محلب بتشكيل الحكومة وتحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء المجلس، وفى تلك الحالة ستواصل الحكومة الجديدة ما كانت الحكومة قد بدأته، والثانى؛ أن تفشل الحكومة الجديدة فى الحصول على الثقة، ومن ثم تبدأ دورة جديدة من البحث عن رئيس جديد للوزراء، وفى تلك الحالة لا يُتوقع أن يكلف أى من أعضاء الحكومة الحالية بتشكيل حكومة جديدة إلا إذا كان الحزب أو الائتلاف الحائز على الأكثرية مؤيداً لفكرة الاستعانة بأحد أعضاء حكومة محلب. ومع ذلك، تبدو صفحات الصحف ووسائل الإعلام مزدحمة بسيل من مشروعات القوانين التى تدرسها الحكومة، منها مشروع قانون الإدارة المحلية رغم أن الدستور سمح باستمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه. وتضم قائمة مشروعات القوانين ما يقرب من عشرين مشروعاً بقانون ليست كلها لها صفة الاستعجال من شاكلة مشروعات قوانين الجامعات، وإدارة المستشفيات الجامعية، الجمارك، الكهرباء، الخدمة المدنية، التأمين الصحى، التشريعات الإعلامية التى أثار تشكيل لجنة لإعدادها غضب الصحفيين والإعلاميين، ومشروع قانون العمل الجديد، والعديد من مشروعات القوانين الأخرى. وإصدارها كل تلك القوانين باستخدام سلطة الرئيس التشريعية يجعلها خاضعة لنص المادة 156 من الدستور التى تنص على أنه «إذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تُعرض وتناقش أو إذا عُرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار». ورغم أهمية تلك القوانين، فإننا نرى أن تلتزم الحكومة بوعد الرئيس السيسى ومن قبله الرئيس السابق المستشار عدلى منصور، بعدم إصدار قرارات بقوانين إلا فى أضيق الحدود إلى حين تشكيل مجلس النواب.