بجوار أنقاض عقار الجمرك المنهار فى شارع المسافر خان، تجلس أسر الضحايا، يكسو ملامحهم الذهول، والحسرة، والإحساس بالظلم وغياب العدالة، تدور فى أذهانهم أسئلة عديدة تبحث عن إجابات، أين سيذهبون بعد أن فقدوا منزلهم؟ كيف سيتعاملون بعد أن فقدوا ذويهم أسفل الأنقاض؟ وإلى متى سيظل الوطن بلا عدل، وهل سيسمع الحاكم شكواهم ويرفع الظلم عنهم؟ «الوطن» قضت يوماً بين أهالى الضحايا والمنكوبين فى عقار الجمرك الأخير، واستمعت إلى شكواهم، ومعاناتهم بعدما لحقت بهم الكارثة. تقول نادية أحمد محمد خضر، والدة الضحية الأولى عايدة، التى لقيت مصرعها و3 من أطفالها تحت أنقاض العقار: «بنتى كان عندها 28 سنة، ولديها 4 أبناء، بنتها الصغيرة رحمة عمرها شهرين، والسيد 11 سنة، وكريمة 3 سنين، وبنتى الوحيدة اللى بترعانى فى مرضى، فأنا مريضة بمرض الفيل، وعاجزة عن الحركة نهائياً، وهىّ كانت بتيجى ترعانى وتعطينى الدواء». وأضافت نادية: «لم ينجُ من الحادث غير البنت الرابعة بسملة التى تبلغ من العمر 5 سنوات، كانت فى الحمام لما البيت وقع، وهو ده اللى أنقذها، بس مش عارفة مين هيربيها، أنا مش باقدر أتحرك، يرضى مين ده بس، إن عشان واحد عايز شوية فلوس زيادة يدوس على أرواح الناس بالشكل ده ويخلينى أدفن بنتى وعيالها التلاتة فى يوم واحد؟». وتقول فاطمة جاد الرب، تبلغ من العمر 44 سنة، والدة 4 مصابين: «أنا باربّى 7 أطفال يتامى بعد وفاة زوجى منذ 6 سنوات، والمعاش، 205 جنيهات، لا يكفى تربيتهم، واضطررت أقف على عربية كسكسى عشان أحسّن الدخل، والحياة كانت ماشية، اشترى رجل بلا ضمير البيتين المجاورين لنا، كان عايزنا نترك البيت عشان يهده ويضم الأرض للبيتين بتوعه، بس إحنا رفضنا نخرج، لأننا لا نملك منزلاً آخر يؤوينا، ودخل فى البيت بالبلدوزر حتى دمر أساسه، ووقع فوقنا واحنا نايمين، والآن لا نعرف: هل سنصرف المعاش على البيت ولاّ على العلاج، ولاّ هنشترى بيه شقة جديدة؟». فاطمة، هى أم 4 مصابين فى الأحداث هم؛ زينب، 18 سنة، مصابة بكسر فى العمود الفقرى والحوض والوجه، وأحمد، 23 سنة، مصاب بجروح وكسور فى مختلف أنحاء الجسم، ودينا، 9 سنوات، وهاجر، 15 سنة، مصابتان بإصابات بالغة فى الرأس. وبجوار أطلال البيت يجلس أحمد إبراهيم العادلى، 23 سنة، أحد أبناء فاطمة، مصاب بجروح متفرقة فى أنحاء الجسم، بعد أن رفض المستشفى استقباله، قال ل«الوطن»: «كنت نايم على الكنبة فى بيتنا، وفجأة صحيت على البيت بيقع فوقى، ما حسّتش غير والناس بتطلعنى من تحت الأنقاض، ودّونى بعدها المستشفى، رفضوا يدخلونى عشان ما عندهُمش سراير زيادة». أما عن الطفلة بسملة، 5 سنوات، التى بقيت من أسرتها بعد هذا الحادث، فترفض الحديث إلى أى أحد، ولا تستطيع الكلام من هول ما رأته، وتقضى يومها مشتتة بين منازل جيران والدتها الفقيدة، وتواجه مصيراً مجهولاً لا يدرى أحد إلى أين سينتهى.