تعانى مصر من اضطراب ما قبل التفكك، ويكاد يشبه الأمر ما حدث مع الاتحاد السوفيتى فى عصر الرئيس الروسى الأسبق جورباتشوف، ورغم محاولات البعض وصف الأمر ب«الأخونة» فإن هذا الوصف السياسى وغير الدقيق علمياً وإن نال شهرة صحفية عبر تداوله من «مفكرى التوك شو» ولكنه لا يرقى إلى عمق تفسير ما يحدث خاصة وعوامل الاندماج القومى للدولة المصرية (1805 2012) قد انتهى عمرها الافتراضى بالطبع ليس بسبب الثورة ولكن ما كشفت عنه الثورة. وإذا تتبعنا ما يحدث فى إمارة سيناء، وانتهاك سيادة الدولة عبر أراضيها براً وبحراً وجواً، سواء من التنظيمات السلفية الجهادية على الأرض أو من تنظيم حزب الله بطائراته التى بدون طيار من الجو، أو من إسرائيل من البحر، وما بينها من أنفاق خاصة لإمارة حماس، سنجد أن إمارة سيناء عملياً لم تعد تحت السيطرة الإخوانية، ومن يتأمل زيارة الرئيس محمد مرسى للأراضى المحررة المصرية فى العريش وعدم تمكنه من الوصول لرفح مؤخراً سيتأكد من ذلك. وبدلاً من أن تعلن جماعة الإخوان الجهاد على حلفائهم السابقين من السلفية الجهادية بسيناء، أعلنته الجمعة الماضى على القوى الثورية فى ميدان التحرير وأغارت ميليشياتها على منصة التيار الشعبى وحطمتها، كما استغل الرئيس محمد مرسى حكم القضاء ببراءة متهمى معركة الجمل وحاول عبر مستشاريه ووزير عدله عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بطريقة التفافية بتعيينه سفيراً لمصر فى الفاتيكان الأمر الذى فضحه النائب العام عبر بيان معلن، اتهم فيه رئيس الهيئة التأسيسية المستشار حسام الغريانى ووزير العدل المستشار أحمد مكى بتهديده بأن يلقى عبر المتظاهرين مصير الراحل عبدالرازق السنهورى الذى تم الاعتداء عليه من قبل الغوغاء فى مجلس الدولة من مظاهرات مدفوعة الأجر فى العصر الناصرى. وإذا تأملنا تلك المحاولة وما سبقها فى الإعلام وكذا الإطاحة بالمجلس العسكرى وإحكام السيطرة على المؤسسات الوطنية السيادية، سنكتشف أننا أمام مخطط حقيقى إخوانى لإحكام السيطرة على الولاية الصغرى (مصر) عبر أسلمتها -مع الاحتفاظ ببعض خصائصها- وذلك بدستور يمهد الطريق لدمج ولاية مصر فى الولاية العظمى للخلافة، وتحويل الإعلام من مفهومه التقليدى إلى مفهوم «الدعوة» الأيديولوجى، وتحويل القضاء من سلطة مستقلة مدنية إلى مؤسسة سيادية إسلامية شرعية، وذلك عبر استغلال الانقسامات داخل القضاء وتأليب رجاله بعضهم ضد بعض تارة بالعصا وتارة بالتعيينات فى المناصب العليا، وهكذا تجرى محاولات إخضاع السلطة الأخيرة «القضائية» بعد أن تم تأميم السلطة التنفيذية، وإلحاق السلطة التشريعية بمؤسسة الرئاسة تمهيداً لدمج مصر فى مشروع الجمهوريات والممالك الإسلامية (الخلافة) ولايهم انفصال سيناء، فهى فى النهاية ستكون إمارة من إمارات الخلافة، ولكن فات الرئيس مرسى أن ذلك المخطط لن يكتمل ليس فقط للمقاومة من القوى المدنية بل لأن القوى الراديكالية الإسلامية تجمع قواها المسلحة انطلاقاً من سيناء لأنها لن تكتفى بالسيطرة على إمارة سيناء بل تريد مصر كلها ومن أجل ذلك فهى مستعدة لإغراق مصر فى بحر من الدماء، وللأسف سوف يكون أول ضحاياها جماعة الإخوان وأنت يا سيادة الرئيس لا قدر الله، ويا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.