فى الأسبوع الماضى كتبت من خلال هذه الصفحة، وهذه الجريدة، عن تجربة لشاب مصرى مبدع تخفى فى زى شخصية «سبايدر مان» الشهيرة وفاجأ بها الشعب المصرى بعد أن تجول فى عدة مناطق وأمكنة بهدف القول إن لا أحد يستطيع أن يتحمل هذه الأعباء اليومية التى يتكبدها المواطن المصرى حتى لو كان «سبايدر مان» نفسه. كتبت هذا المقال وكنت وقتها فى إحدى الدول الأوروبية لكنى شاهدت التغطية الإعلامية الغربية الثرية لهذا الحدث الذى جذب انتباهى بشدة وألهمنى كتابة وتحليل المقال السابق نشره.. لكنى للأسف عندما عدت إلى القاهرة اكتشفت أن هذا الحدث لم يلقَ اهتماماً كبيراً من الإعلام وبالتالى لم يصل إلى المشاهد أو القارئ الذى حُرم من تلقى قصة فيها من الإبداع والجرأة ما كنا نرجو ونتمنى أن يكون إلهاماً لكثير من الشباب المصرى، وهو الأمر الذى يدفعنى إلى المزيد من الحديث عن حقيقة اهتمامنا وجدية اتجاهنا نحو تبنى واكتشاف المبدعين واستغلال الكفاءات الحقيقية التى تزخر بها البلاد، وهو واقعياً لا يحدث كثيراً وغير ملحوظ!! إن هذا الحدث -الذى أشرت إليه- لفت نظر الإعلام الغربى بشدة أكثر مما لفت إعلامنا لأنه رأى فيه شيئاً جديداً ومبدعاً -خارج الصندوق- بينما نحن نستخدم ونسىء استغلال عبارة «خارج الصندوق» «كالببغاوات» دون أن نطبق أو نستوعب المعنى الحقيقى أو نحترمه حتى لو جاء مخالفاً أو غريباً على عاداتنا أو ثقافتنا.. وهذه هى مشكلتنا الحقيقية مع الإبداع والمبدعين الذين يتلقى الكثير منهم السخرية والاستهزاء على جميع المستويات والأعمار والتخصصات والاهتمامات عندما يخرجون علينا بفكرة غير مألوفة لا تتسق ولا تتماشى مع سياسة القطيع!! لماذا؟ لأننا ببساطة شعب نمطى.. تقليدى، لا يقبل الاختلاف أو الجديد بسهولة. ولعل المثل المصرى الشهير «اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش» يلخص بعضاً من هذا المعنى. أما إذا تحدثنا عن حقيقة استغلال الكفاءات فهو أمر بحق يثير الشفقة بل الاستعجاب والاستغراب وكل مفردات هذه المعانى، فالبلاد تمتلئ بهذا «الصنف» من البشر الذى سيقرب على الاندثار أو الإحباط الشديد عندما يرى أنه يمتلك إمكانات يصلح استغلالها فى جميع المجالات بقطاعات الدولة بينما يتم التشبث بما هو أسوأ والاختيار لما هو أبشع، وكأننا فى مؤامرة على أنفسنا!! وبحق، لا أعرف السبب الذى يدعو لذلك.. لقد أشرت فى مقال سابق أيضاً إلى أننا نفتقر لوجود قاعدة بيانات تخلو من أى محسوبيات أو أغراض شخصية ترصد هذه الكفاءات فى مواقعها المختلفة لتقوم بعد ذلك باستقطابها واستغلالها من أجل رفع كفاءة القطاع الذى «ستحقن» به.. وبحق هناك الكثير من الذين يرغبون فى المساهمة والمشاركة فى رفع شأن البلاد.. هناك من يرغب فى العودة من الخارج وهناك من يعمل فى أفضل الشركات العالمية وعلى استعداد لترك موقعه لو أكدت الدولة استعدادها للاستعانة بهذه النخب المتعلمة المثقفة المدربة التى نالت من الخبرة وبرامج التدريب ما أهّلها لتترأس أعلى المراتب فى مواقعها.. فماذا تنتظرون؟ هناك يا سادة الكثير من الكفاءات المهدرة غير المستغلة عالية المعرفة والخبرة بأمور لا يقوم بها الموظفون العاديون يمكن الاستعانة بهم للنهوض بقطاعات تحتاج «شد الوجه» ولكنها فى الوقت نفسه ستمنح خدمات وصورة مشرقة للمواطن تجعله يشعر أنه بالفعل فى بلد متحضر.. لماذا لا تستعينون بهذه الكفاءات.. ولماذا لا يتم التنسيق الجاد بين الدولة وجمعيات المجتمع المدنى وبصفة خاصة الذين يعملون فى مجالات الثقافة والتراث والسياحة والتنسيق الحضارى والبيئة وكل ما يتعلق بالخدمات التى يمكن على الفور أن تمنح صورة حضارية تحترم فيها المواطن وحقه فى الحياة فى بلد متحضر؟! هذه الأمور بسيطة «والناس موجودة».. كل ما نحتاجه هو الهمة والاختيار الصحيح لهذه الكفاءات القادرة ليس فقط على العمل المتقن بل الحاسم!!