الموجة الثانية لمقاومة الاستبداد ارتبطت بجمعة الدستور التى تنادت للمشاركة بها القوى الوطنية والديمقراطية دفاعاً عن دستور يضمن الحقوق والحريات وعن عدالة اجتماعية، وتحميلاً للرئيس لمسئوليته بعد إخفاق برنامج ال100 يوم. مسيرات جمعة الدستور، والتى اتسمت بسلمية كاملة، واجهتها جماعة الإخوان وذراعها السياسية قبل أن تبدأ بمحاولة لتهميشها بالدعوة لمسيرات لإقالة النائب العام فى نفس اليوم ونفس المكان. انتهازية الإخوان السياسية زينت لهم أنهم يستطيعون السيطرة على الشارع ومنع المسيرات المحتجة على جمعيتهم التأسيسية غير المتوازنة ودستورهم وأداء الرئيس من خلال مسيرات مناوئة. وحين أخفقت معادلة «المزايدة - التهميش» ولم تمنع مسيرات جمعة الدستور من الوصول إلى الميادين، أظهرت الجماعة قابليتها للاستبداد وقمع معارضيها بعنف مادى ولفظى وعجزها عن احترام قواعد الديمقراطية. وفى جمعة الدستور قاوم استبداد وعنف الجماعة متظاهرون، بينهم المواطنة غير المنتمية سياسياً وبينهم المواطن المنظم حزبياً، ولم يتنازلوا عن رفع مطالبهم الواضحة، ولم يتراجعوا عن ممارسة حقهم فى التظاهر والاحتجاج السلمى. المشاركون فى مسيرات جمعة الدستور لقنوا الجماعة درساً فى أن الشارع ليس حكراً عليها وعلى أتباعها فقط، وفى أن ممارسة الاستبداد والعنف وقمع المعارضين لن تحول دون الاحتجاج على الجماعة وحزبها ورئيسها، وفى أن إدارة التنوع والتعدد فى حياتنا السياسية تقتضى احترام حرية التعبير عن الرأى والبحث عن قواسم مشتركة حقيقة وليس ادعاء وجودها وفرضها على الشركاء فى الجماعة الوطنية كما تفعل الجماعة دوما. التوافق صناعة أيضاً، كما الاستبداد. وضعت مقاومة السلطة القضائية وكذلك مقاومة القوى الوطنية والديمقراطية للاستبداد وللعبث بالقانون وللاستئثار بالدولة والهيمنة على المجتمع، الرئيس والجماعة والحزب فى وضع لا يحسدون عليه. وإن أرادوا الخروج منه، فليس أمام الرئيس إلا التراجع عن الإطاحة بالنائب العام وتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية للانتصار لحقوق الشهداء وحق المجتمع العام (البديل العصرى للمدعى العام للثورة). وليس أمام الجماعة وحزبها إلا الاعتذار والابتعاد عن ممارسة الاستبداد والكف عن الاستعلاء على بقية أطراف الجماعة الوطنية والبحث عن حلول حقيقية لتجاوز أزمة الجمعية التأسيسية والدستور وخطر صناعة استبداد جديد فى مصر. إن أرادوا، يستطيع الثلاثى «الرئيس - الجماعة - الحزب» الخروج من أزمتهم الراهنة والمساعدة فى تجاوزنا جميعاً لاستقطاب يضرنا جميعاً.