أجمع مخرجون ومسرحيون على أن القانون الذى أصدره السادات عام 1980، والذى يمنع هدم المسارح والسينمات، حافظ على التراث الفنى المصرى، إلا أن ما أطلقوا عليه «الرشاوى والمحسوبية» خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، فتحت باب التحايل على القانون، وقضت على البنية التحتية للفن المصرى، بل حتى البنايات والمسارح التى تعتبر تاريخية وتراثية. من جهته، استنكر الدكتور أبوالحسن سلام، الرئيس الأسبق للمركز القومى للمسرح، إغلاق العديد من المسارح ودور السينما، والتحايل على القانون الذى أصدره السادات عام 1980، مشيراً إلى أن القانون يحتم على من يريد هدم أحد دور العرض أو المسارح أن يعيد بناءه فى نفس المكان، وتضمين المسرح فى البناية الجديدة التى يريد المالك بناءها، موضحاً أن القانون لم يُفعّل فى عهد مبارك، وتم التحايل عليه بوضع غرامة مالية على المخالف، وأن ذلك كانت ثغرة استغلها الملاك فى هدم مسارح ودور عرض مثلت منارات فنية لا تُعوَّض، وسمح الفساد بدخول الرشاوى فى عمليات الهدم الواسعة وإعادة البناء. وأضاف «سلام» قائلاً إن من أبرز المسارح والسينمات التى تم هدمها فى مدينة الإسكندرية هى سينما ومسرح «الهمبرا» فى محطة الرمل، والتى شهدت حفلات أم كلثوم، وعرضت فيها مسرحية مجنون ليلى للشاعر أحمد شوقى، من إخراج عزيز عيد الذى يعتبر أكبر رواد الإخراج المسرحى فى العالم العربى، مشيراً إلى أن أحد المستثمرين قام بشراء أرض الهمبرا و«سقّع الأرض» وتركها، وأقام بها ملاهى أطفال وجراج، وأغلق مدخلها، ثم تحولت إلى محال عصائر طبيعية، وأيضاً مسرح نجيب الريحانى الذى تحول إلى برج احتوى على مقهى باسم نجيب الريحانى، وشهد هدم المسرح وبناؤه فساداً من محافظ سابق للإسكندرية، نظير تسهيلات للهدم وبناء برج سكنى مكانه. وأضاف أستاذ علوم المسرح بجامعة الإسكندرية، أن بداية الفساد ظهرت جلياً فى عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، عبر عملية هدم مسرح الريحانى والمسرح القومى والذى ضم عدداً من المسارح بينها مسرح شكوكو، وغنى فيه عبدالحليم لأول مرة، حيث تم هدمه وبيعه لشركة فرنسية. من جهته، قال محمد مرسى المخرج ومدير مسرح الإبداع، إن قانون السادات الذى منع هدم المسارح ودور العرض لم يفعّل بشكل حقيقى، وإنه لا بد من تنفيذه حفاظاً على ما تبقى من مسارح تراثية وتاريخية، مشيراً إلى أن هناك تحايلاً على القانون لهدم عشرات المسارح ودور العرض التى تعد إحدى مظاهر مصر التاريخية وهويتها، مشيراً إلى أن الفن يحافظ على الهوية المصرية وعلى الإنسان المثقف المجهز لمواجهة كافة الأخطار، وأن الإرهاب يمكن مواجهته بالفن وليس بالأسلحة فقط، وأن من يقوم بهدم هذه الكيانات كأنه يقتل جزءًا من ثقافتنا وتراثنا. وأضاف «مرسى» قائلاً إن القانون تم التحايل عليه بتنفيذ غرامات على القائمين على هذا الفعل، واتجه بعدها الكثير من الملاك إلى دفع الغرامات لتحقيق مكاسب مادية من استخدام الأماكن فى أغراض تجارية أخرى، لافتاً إلى أن هناك خطورة على البنية التحتية الفنية، لأن التخريب واقع على اللبنات الأولى للفن والتراث الشعبى المصرى، متابعاً «لا يمكن إجبار أحد على ممارسة صناعة ولكن هناك قانون يجب تنفيذه على الكبير قبل الصغير للحفاظ على الهوية والثقافة المصرية». وانتقد محمد كامل، المخرج السينمائى والأستاذ فى معهد السينما، هدم وإزالة المسارح ودور العرض السينمائية التراثية التى حافظت على الطراز المعمارى المصرى، مشيراً إلى أن الحفاظ على البنايات القديمة التى تعكس شكل المدينة المصرية بكل ما يميزها من طابع فنى ومعمارى أسلوب حضارى يجب اتباعه كما فى الدول الغربية والمحترمة، مضيفاً أن موسكو تقوم بعملية مراجعة وترميم لكل مبانيها سنوياً، وأن باريس تنتهج نفس المبدأ المحافظ على التراث الفرنسى فى البنايات وفى المسارح، مرجعاً السبب فى تدهور أوضاع المسارح فى مصر إلى «الفساد الإدارى» المتغلغل فى كل أركان الدولة والرشاوى التى تُدفع من أجل هدم مسارح مهمة وتاريخية لأغراض استثمارية.