مع بداية دخول عام جديد، من المتوقع أن يرى كل مواطن في هذا العام تحسنًا في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن المؤشرات لا تدل على ذلك، فمعدلات التحرش والاغتصاب، في زيادة أكثر من الانخفاض، ومع كل حالة تحرش تُذيع صيتها في وسائل الإعلام، ومع بشاعة كل حالة يتم فيها تغليظ العقوبات وتعديل للقوانين، وسط آمال من المسؤولين أن تُحجم هذه الجرائم. "الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه، كل من تعرَّض للغير في مكان عام أو خاص بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية" هذا هو نص قانون التحرش وفقًا لآخر تعديلات تم إقرارها من الرئيس السابق عدلي منصور. رغم ذلك ما زال التحرش ظاهرة قائمة ومؤرقة تخيف سيدات وفتيات المجتمع، وما زال القانون عاجزًا عن ردع المتحرشين وما زالت الحكومة تواجه الظاهرة بالحل الأمني فقط، رغم انتشار منظمات المجتمع المدني ومراكز حقوق المرأة وغيرها من اللجان الحقوقية. البداية كانت مع دخول عام جديد، حادثة كانت مفاجأة بالنسبة للرأي العام، طفلة لا يتعدى عمرها العشر سنوات، تم العثور عليها مقتولة في "منور" العقار الذي تسكن فيه، وبتحريات النيابة يتم الكشف عن أنها تعرضت للاغتصاب على يد ابن حارس العقار وزميل له، حيث اعترف الثنائي باستدراج الضحية لسطح العقار، واعتديا عليها ثم ألقياها في "المنور". ونظرًا للصدى الإعلامي الذي شهدته القضية، تم إصدار الحكم على الجناة بالسجن 15 سنة. منابر العلم، أروقة الحضارة والتقدم نافذة مصر العلمية، الجامعات، لم تستطع الخروج من دائرة أماكن التحرش، فالجامعات المصرية تعاني ومنذ وقت ليس ببعيد من كثرة حالات التحرش لكنها كانت مقتصرة فقط على التحرش "اللفظ"، لكن التحرش هو التحرش سواء لفظيًا أو جسديًا. وكانت جامعة القاهرة شهدت كارثة منذ أشهر، عندما تجمَّع العشرات من الشباب داخل أسوار الحرم الجامعي وتحرشوا بفتاة، الأمر الذي عكس صورة غير سوية لمجتمعنا، خاصة أنه من غير المعقول أن تحدث واقعة تحرش داخل حرم جامعة القاهرة وهي إحدى قلاع العلم في مصر. الإعلام عين كل مواطن، لم يَسلم من التحرش والاعتداء أيضًا، فقد تعرَّضت مراسلة إحدى القنوات الفضائية للتحرش أمام الكاميرا أثناء تغطيتها لأحداث اشتباكات بمنطقة الألف مسكن، وهو ما دعا الفتاة لترك الميكروفون والفرار، وعكست هذه الصورة مستوى الانحطاط الأخلاقي والفكري الذي يسيطر على البعض كونهم يتحرشون بمذيعة على "الهواء مباشرة". ميدان التحرير، وسط أعين الآلاف من الفرحين بتولي الرئيس السيسي لرئاسة الجمهورية، اُغتصبت سيدة وجردها الذئاب من ملابسها كاملة ولمدة تجاوزت الساعة ونصف، لم تكن هذه الواقعة هي الأكثر ألمًا بالنسبة "للسيدة" بل ما يزيد الأمر سوءًا هو انتشار مقطع فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي ليظهر واقعة تعرضها للاغتصاب. "بنت ماشي وراها شاب واتحرش بيها جريت، جري وراها على الكوبري، وكان هيحدف عليها ماية نار، فنطت في المية وغرقت"، هذه رواية شهود الجريمة التي وقعت أمس الإثنين فوق كوبري قصر النيل، فلم يعد الذئب يريد فقط "لمس" ضحيته، بل وصل به الأمر أنه يريد النيل منها بأي وسيلة، وحتى لو وصل الأمر أن يقوم بتشويهها بالمواد الكاوية. ففي مصر فقط، يكون هناك حظر تجوال للسيدات، سواء في أماكن بعينها مثل "مناطق كورنيش النيل، الحدائق والمتنزهات العامة كحديقة الأزهر"، أو أوقات معينة مثل "الأعياد والمناسبات الرسمية والمظاهرات".