لحيته البيضاء وأسلوبه الهادئ، وجهه البشوش الذى يبعث على الارتياح ويثلج ما فى الصدور لم يمنعه من قضاء عمره كاملاً مهموماً باستقلال القضاء المصرى، كما وصفه المستشار زغلول البلشى، نائب رئيس محكمة النقض. اعتاد أن يتخذ من منصات المحاكم متكأً ليفصل فى نزاعات الرعية، فبكلامه يسلب الحياة من إنسان، وبأخرى يمنحها لآخر، ماضٍ فى طريقه غير آبه سوى بتقديم صورة مثالية للقاضى فى التزامه وسلوكه وأدائه؛ لا يخشى من الخوض فى صراعات قد تغضب رأس النظام الذى قبع على حكم البلاد لثلاثين عاماً لومةَ لائم. «يكفى أنه صاحب أول وقفة احتجاجية قبل الثورة»، هكذا وصفه المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض السابق، متحدثاً عن الوقفة الاحتجاجية التى شهدها نادى قضاة الإسكندرية، للمطالبة باستقلال القضاء بناء على طلب الغريانى. اعتاد أن يكون طرفاً فى الأزمات والنزاعات، فلا عيب لديه أن يكون سبباً أساسياً فى تفجير قضية «عزل النائب العام»، وتوريط الرئيس فى إجراءات بدت للكثير «غير قانونية». لا عجب أن يُسند ل«الغريانى» تولى العديد من المناصب خلال عهد الدولة الإخوانية، فبعد أن تم اختياره رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء محققاً نبوءة المستشار زغلول البلشى، عهدت إليه الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بإدارة جلساتها، وتم اختياره رئيساً للمجلس القومى لحقوق الإنسان، ولكن يبدو أن تلك المناصب لم تكفِ «فخر قضاة مصر»، فعهد لتطهير القضاء بنفسه، وتولى من داخل القصر الجمهورى مخاطبة النائب العام لإقناعه بالتخلى عن منصبه. للغريانى مواقف عديدة لا يمكن أن ينكرها سوى جاهل أو جاحد، وكيف السبيل إلى ذلك وهو الذى أعد تقريراً عن تزوير الاستفتاء على تعديل المادة 76 فى عدد من الصحف خلال الأزمة التى كانت سبباً فى الإطاحة بمبارك من عرش البلاد. دخل الغريانى فى اعتصام عام 2005 تضامناً مع المستشارين هشام البسطويسى ومحمود مكى، وأصدر حكماً ببطلان الانتخابات فى دائرة الزيتون، ليبطل عضوية زكريا عزمى فى البرلمان. ربما لن تكون معركة «الغريانى» والنائب العام الأخيرة، فالرجل الذى دأب على مواجهة براثين الفساد لتطهير المنظومة القضائية، سيمضى قدماً نحو تحقيق أهدافه، وكيف لا وقد أصبح لاعباً أساسياً وجندياً مجهولاً للرئيس.