أصدر الأزهر الشريف، اليوم، بيانًا بعنوان "بيان الأزهر العالمي في مواجهة التطرف والإرهاب"، مؤكدًا أن العالم العربي يواجه حالةً غير مسبوقةٍ من التوترِ والاضطرابِ نتيجةَ ظهورِ حركاتٍ متطرفةٍ تعتمدُ الإرهابَ أداةً لتنفيذِ مآربِها، فقد تعرَّضَ مواطنون آمِنون إلى الاعتداءِ على كراماتِهم الإنسانيةِ، وعلى حقوقِهم الوطنيةِ، وعلى مقدساتِهم الدينيةِ، وجرت هذه الاعتداءاتُ باسمِ الدينِ، والدين منها بَراءٌ. وأوضح البيان، أن للأزهرِ الشريفِ بما يُمثِّلُه من مرجعيةٍ دِينيةٍ للمسلمين جميعًا أن يأخُذَ المبادرةَ لتحديدِ المفاهيمِ وتحريرِ المقولاتِ التي أساء المتطرفون توظيفَها في عمليَّاتِهم الإرهابيةِ، وأن يرفَعَ الصوتَ الإسلاميَّ عاليًا ضدَّ التطرفِ والغلوِّ وضدَّ الإرهابِ بأشكالِه وأنواعِه كافة. وأكد بيان الأزهر العالمي في ختام ملتقى الأزهر الدولي لمكافحة الارهاب، "بإجماع مشايخ المذاهبِ الإسلامية ورؤساءُ كنائسِ الشرقِ وعلماءُ مسلمون ومسيحيُّون من مختلفِ أقطارِ العالم، فإنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ والمليشيات الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة – زورًا وبهتانًا – راياتٍ دينيةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكرًا وعاصيةٌ سلوكًا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ، وإنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ - هي جرائمُ ضد الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلًا وموضوعًا، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيت". وشدَّد البيان على ضرورة التأكيدُ على أنَّ المسلمين والمسيحيين في الشرق، هم إخوةٌ، ينتمون معًا إلى حضارةٍ واحدةٍ، وأمةٍ واحدةٍ، عاشوا معًا على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العيشِ معًا في دولٍ وطنيةٍ سيِّدةٍ حُرةٍ، تُحقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعًا، وتحترمُ الحريَّات، لافتاً إلى أن تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك، فقد كان هذا التعدد، وسيبقى، مصدرَ غنى لهم وللعالم، ويَشهدُ على ذلك التاريخ، بالإضافة إلى أنَّ علاقاتِ المسلمين مع المسيحيين، هي علاقاتٌ تاريخيَّةٌ، وتجربةُ عيشٍ مُشتَرك ومُثمِر، ولدينا تجاربُ يُحتَذى بها في مصرَ، وفي العديد من الدول العربية الأخرى، جرَى تطويرُها باتجاه المواطنة الكاملة حقوقًا وواجبات، ومن هنا فإنَّ التعرُّضَ للمسيحيين، ولأهل الأديان، والعقائد الأخرى، بأي مظهر من مظاهر الإهانة والإيذاء عن طريق اصطناع أسابٍ دِينيَّةٍ، هو خُروجٌ على صحيحِ الدِّينِ، وتوجيهاتِ النبي "صلى الله عليه وسلم"، وتنكرٌ لحقوقِ الوطنِ والمواطنِ. وأضاف أنَّ تهجيرَ المسيحيين وغيرِهم من الجماعاتِ الدِّينيَّةِ والعِرقيَّةِ الأخرى جريمةٌ مُستَنكرةٌ، نُجمِع على إدانتِها، لذلك نُناشد أهلَنا المسيحيين التمسك بأوطانهم، حتى تزولَ موجةُ التطرُّفِ التي نُعانى منها جميعًا، كما نُناشِدُ دولَ العالم استبعادَ تسهيلِ الهجرةِ من جدولِ المُساعداتِ التي تُقدِّمُها إليهم، فالهجرةُ تُحقِّقُ أهدافَ قُوَى التهجيرِ العُدوانيَّةِ التي تستهدفُ ضربَ دولِنا الوطنيَّة، وتمزيق مجتمعاتِنا الأهليَة. وأشار إلى أنَّ بعضَ المسؤولين في الغرب وبعض مُفكِّريه وإعلاميِّيه يَستثمِرونَ هذه الجماعاتِ المُخالفةَ لصحيحِ الدِّينِ لتَقديمِ صُوَرٍ نمطيةٍ يَفتُرون فيها على الإسلامِ شِرعةً ومِنهاجًا. ولمُواجهة هذه الظاهرةِ السلبيةِ يُطالب المؤتمرُ المنصِفين من مُفكِّري الغربِ ومُسؤولِيه تصحيحَ هذه الصُّوَرِ الشريرةِ وإعادة النظَرِ في المواقف السلبيَّة؛ حتى لا يُتَّهم الإسلامُ بما هو بَراء منه، وحتى لا يُحاكَم بأفعالِ جماعاتٍ يَرفُضها الدِّين رفضًا قاطعًا. ودعا البيان إلى لقاءٍ حوارى عالمي للتعاون على صِناعةِ السلامِ، وإشاعةِ العدلِ في إطارِ احترامِ التعدُّدِ العقدي، والمذهبي، والاختلافِ العُنصري، والعملِ بجدٍّ وإخلاصٍ على إطفاء الحرائقِ المُتعمَّدةِ بدلاً من إذكائِها، منوهاً إلى تعرَّض عددٌ من شباب الأُمَّةِ إلى عمليَّةِ "غسل الأدمغة" من خِلال الترويجِ لأفهامٍ مغلوطةٍ لنصوصِ القُرآن والسُّنَّة، واجتهادات العُلمَاء أفضت إلى الإرهاب، ممَّا يُوجِبُ على العلماء، وأهلِ الفكر، مسئوليَّة الأخذ بأيدي هؤلاء المُغرَّرِ بهم من خِلال برامجِ توجيهٍ، ودوراتِ تثقيفٍ، تكشفُ عن الفَهمِ الصحيحِ للنصوصِ والمفاهيمِ، حتى لا يصبحوا نهبًا لدُعاة العُنفِ، ومُروِّجي التكفير، ومن هذه المفاهيمِ مفهومُ "الخِلافة الراشدةِ" في عصر صحابةِ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تنظيمًا لمصلحةِ الناسِ غايتُه حِراسةُ الدِّين، وسِياسة الدُّنيا، وتحقيقُ العدلِ والمُساواة بين الناسِ، فالحكمُ في الإسلام يَتأسَّسُ على قِيَمِ العَدلِ والمُساواةِ، وحِمايةِ حُقوق المُواطنة لكلِّ أبناءِ الوطن بلا تمييزٍ بسببِ اللونِ، أو الجنسِ، أو المعتقدِ، وكلُّ نظامٍ يُحقِّقُ هذه القيمَ الإنسانيةَ الرئيسةَ هو نظامٌ يكتسبُ الشرعيَّةَ من مصادر الإسلام. ولفت بيان المؤتمر إلى أن من المفاهيمِ المحرفة أيضًا، مفهوم الجهاد، ومعناه الصحيح في الإسلام هو أنه "ما كان دفاعًا عن النفس وردًّا للعدوان"، وإعلانُه لا يكون إلا من ولى الأمر، وليس متروكاً لأى فرد، أو جماعة، مهما كان شأنها، مطالباً دول العالم العربي كافة بتنظيم تعاونها، وتطوير آليات هذا التعاون بما يحقق الاستقرار، والأمن، والازدهار، موضحاً انه لو أن هذه الدول أقامت سوقًا اقتصاديًّة، وتجارة، واتحادًا جمركيًّا، ودفاعًا مشتركًا، لَتَحقَّقت مُقوِّمات التضامُن والتكامل في إطار دائرة واحدة تجمع الدول الوطنية المتعددة في استراتيجية موحدة تحميها وتحتمى بها. وشدَّد بيان المؤتمر على دعوة العلماء، والمراجع الدينية في العالم العربي والإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله، والتاريخ في إطفاء كل الحرائق المذهبية، والعرقية، وخصوصا في دول:" البحرين، والعراق، واليمن، وسوريا"، مدينًا الاعتداءات الإرهابية كافة التي تقوم بها القوات الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصا في القدس الشريف، والتي تستهدف الإنسان الفلسطيني المسلم، والمسيحي على حدٍ سواء، كما تستهدف المساجد، والكنائس، وخصوصًا المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله، مناشدًا المجتمع الدولي التدخل بفاعلية، ومسؤولية لوضع حدٍ لهذه الاعتداءات الوحشية الآثمة، وإحالة مرتكبيها إلى محكمتي العدل، والجنايات الدوليتين.