ممسكاً بالكاميرا بكل ثقة وسط زملائه المصورين، يضبطها على زاوية معينة ليلتقط أفضل صورة من وجهة نظره. تغطية الأحداث السياسية الساخنة من مظاهرات وغيرها ليست عائقاً، بالرغم من خطورة ذلك عليه، فحدوث انفجار بالقرب منه لا يشعر به، يحاول إرسال الصور بأقصى سرعة لجريدته، وبالفعل تحظى صورته بتصدر الصفحات الأولى. محمد القلشى، المصور الصحفى بجريدة التحرير، من ذوى الإعاقة «أصم وأبكم»، لكن الابتسامة لا تفارق وجهه، وكذلك خفة دمه وذكاؤه وحبه للناس، وعلاقته الطيبة بزملائه، عوامل جعلت منه شخصاً ناجحاً فى عمله، حيث استطاع كسر أى حواجز بينه وبين زملائه، فى البداية تشعر بصعوبة فى الحديث معه، لكنه لديه القدرة على الفهم من خلال حركة الشفاه وتعبيرات الوجه، فالتعامل معه وفهمه ليس صعباً، عكس ما تتخيله فى الوهلة الأولى. أحب الشاب العشرينى التصوير منذ صغره، لاحظت الأم هذا الحب فى تركيزه على صور الفنانين بالصحف والمجلات. بلغة الإشارة عبر القلشى عما بداخله «أنا بحب التصوير من صغرى، وأكتر حاجه كنت بحبها أتفرج على صور الفنانين، كان نفسى أطلع مصور، والحمد لله حقت حلمى». التحق القلشى بالعمل فى جريدة التحرير منذ 3 سنوات، تدرب على يد رئيس قسم التصوير أيمن موسى، الذى يتحدث عن تجربته مع القلشى قائلاً «كان له الفضل علىَّ فى أن أكون قريباً من الفئة دى، مكنتش بحب أتعامل معاهم، لما اتعاملت مع محمد وشفت موهبته، حببنى فيهم، وكمان اتعلمت لغة الإشارة منه». يحاول موسى إضفاء روح الدعابة من خلال وصف محمد ب«الرغاى»، ليبتسم القلشى بإشاراته «أنا فهمت اللى بتقوله». فى الشهر الأول من التحاقه بالجريدة، كان رئيسه يخشى عليه من النزول فى الأماكن المشتعلة بالأحداث والمواجهات، «فى الأول كنت بانزل مع زمايلى فى القسم أوردرات التصوير السهلة، زى الحوارات وشغل الشارع الخفيف، وبعد كده نزلت مظاهرات، لما بدأ يطمن عليَّا». كانت أولى صور القلشى التى حازت إعجاب رئيسه وتصدرت الصفحة الأولى، يروى أيمن موسى رئيس القسم قائلاً «فى أزمة استرداد العمال المصريين للبطاقات الصفراء نزلته وكان ده أول احتكاك رسمى بالشارع، وكان معاه صحفى، كانت المفاجأة إن صورة محمد كانت الأفضل وكانت صفحة أولى دون أى انحياز، كانت الصورة فيها زاوية حلوة فعلاً». ويحاول موسى مداعبة محمد من خلال عمل إشارة «الفشل»، ليضحك القلشى مؤكداً أن ذلك لم يكن رأيه خلال حديثه معى. التعامل بين القلشى ورئيسه ليس بالأمر الصعب، يقول موسى «من خلال الفيديو كول بكلم محمد وبيكلمنى، لما بيروح أوردر شغل وميطلعش فيه حاجة يورينى بالفيديو علشان يؤكد كلامه»، مؤكداً أن تجربة التعامل مع القلشى جعلته يحب تبنى فريق من الصم والبكم لديهم موهبة التصوير «لو عندى مجموعة موهوبة من الصم والبكم فى التصوير أحب أتعامل معاهم، فعلاً التعامل معاهم سهل جداً ومريح، ما فيش تأخير فى الشغل، أكلف محمد بالأوردر يروح ويرجع لى زى القطر». يروى موسى أن القلشى أصبحت قدراته على العمل لا تقل عن أى مصور، لا يفكر إن كانت تناسبه طبيعة شغل أم لا، معلقاً بحماس شديد «أرفض اعتراض أى محرر صحفى على اصطحاب القلشى فى موضوعه». يرى القلشى أن قدراته فى التصوير لا تقل عن أى زميل يتمتع بكل حواسه، فصوره تنال إشادة الجميع، لكن هذا ليس كافياً ليحصل على حقه فى أن يكون عضواً بنقابة الصحفيين. ويقول بملامح يغلب عليها الإحباط «فى الأول ماكنش الموضوع فى دماغى، بس لما شفت ناس أقل منى ودخلوا، بزعل إن ماليش الحق فى ده». لا تنتهى تجربة القلشى فى التصوير عند ذلك الحد، حيث تبنى تعليم أصحابه من الصم والبكم التصوير، وبتعبيرات وجه يغلب عليها الحزن والإحباط يشير «باعلّم أصحابى التصوير، عندهم موهبة فعلاً، وفيه كتير منهم يقدروا يشتغلوا مصورين صحفيين، وحاولوا يشتغلوا، لكن للأسف دايماً بيترفضوا». لا يسلم ذوو الإعاقة من الصم والبكم من السخرية فى الشارع، ويرى القلشى أن أكثر الأشياء التى تصيب معاقى الصم والبكم بالإحباط، «لما نتجمع مع بعض، نلاقى الناس تبص لنا بصات غريبة، أو لما نكلم بعض على الموبايل من خلال الفيديو كول، نلاقى تريقة الأطفال ويقولوا علينا مجانين». ومن وجهة نظره، أن ذوى الإعاقة بالأقاليم هم أقل حظاً من أقرانهم فى العاصمة «اللى هنا وضعهم كويس وبيلاقوا لحد ما فرصة فى تنمية موهبة عندهم، إنما الأقاليم مغلوبين على أمرهم، ومحتاجين اهتمام كبير».