لم يكن تحوُّل جماعة الإخوان المسلمين من الحظر السياسى والاجتماعى، الذى فُرض عليها، إلى ممارسة العمل العام، وليد اللحظة، بل وفق عمل منظم منذ تأسيسها على يد الإمام حسن البنا، اعتمدت خلاله على تأهيل جيل من طلاب المدارس والجامعات لنشر فكرها، ووضعت برنامجاً لريادة النقابات المهنية التى تضم أغلب فئات الشعب، وانتشرت فى المساجد والمستشفيات والشوارع، لتقدم الخدمات الاجتماعية. دفعت ثورة «25 يناير» الجماعة، التى أطلق عليها نظام مبارك «المحظورة»، إلى صدارة المشهد السياسى، ومع وجود الجماعة المكثف فى المشهد السياسى، أبدى الغرب تخوفه من تطبيق نموذج الدولة الدينية فى مصر، بعد 84 عاماً من تأسيسها على يد الإمام حسن البنا بالإسماعيلية. وبدأت جماعة الإخوان أولى خطواتها فى الصعود إلى سلم السلطة بعد أن حصلت ذراعها السياسية -حزب «الحرية والعدالة»- على أكثرية مقاعد مجلسى الشعب والشورى، وطرحت الدكتور محمد مرسى مرشحاً للرئاسة، وأبدت رغبتها، أكثر من مرة، فى تشكيل الحكومة. يأتى الصعود الإخوانى بعد أن خاضت الجماعة تاريخاً طويلاً من الصراع مع السلطة وتعرض قياداتها لقمع شديد بعد حادث المنشية الشهير فى الإسكندرية ووضعهم فى السجون، وأُعدم شيخهم سيد قطب، وزاد القمع ضد الإخوان فى عهد أنور السادات، ووصل إلى ذروته فى عهد مبارك بإحالة قيادات الجماعة إلى المحاكمات العسكرية. وانتشرت الأذرع الإخوانية فى المجتمع رغم التضييق الأمنى من قِبَل جهاز أمن الدولة بسبب وجود تنظيماتها فى كل شارع وحى وقرية ومدينة، ولجأت الجماعة فى عهد عمر التلمسانى، مرشدها الأسبق، إلى تقديم الخدمات للاقتراب من الناس وحل مشكلاتهم، واتخذت من المساجد قاعدة للخدمات التعليمية والدعوية والإعانات المالية للفقراء والمحتاجين بشكل شهرى ثابت. من أشهر المساجد التى اتخذها الإخوان قاعدةً لتقديم خدماتهم: «رابعة العدوية»، «جمال الدين الأفغانى»، «قاهر التتار»، «موسى بن نصير» فى القاهرة، «القائد إبراهيم» فى الإسكندرية، «الرحمن» فى الزقازيق، و«التقوى» فى شبين الكوم.. ولم يكتفِ الإخوان بتقديم العلاج للمرضى من خلال المستوصفات الموجودة فى المساجد؛ بل أنشأوا سلسلة مستشفيات لتقديم الخدمة الصحية بأجر رمزى، وأشهرها: «الجمعية الخيرية الإسلامية»، و«المواساة» فى عدد من المحافظات. كما اهتم الإخوان بتقديم الخدمات التعليمية وأنشأوا مدارس «المدينةالمنورة»، و«فجر الإسلام» التى أسسها القيادى الإخوانى أحمد البس، و«الرضوان» فى مدينة نصر، و«الفاروق» بمصر الجديدة.. وتهدف الجماعة من المدارس إلى تنشئة جيل يعتنق الفكر الإخوانى، أما فى الجامعات فتقدم الأسر الطلابية الإخوانية المساعدات للطلاب الفقراء والكتب والأجهزة والأدوات فى الكليات العملية. وتُعتبر النقابات المهنية ميداناً فسيحاً للإخوان، استغلتها الجماعة بذكاء للاقتراب من أرقى المستويات التعليمية والمثقفة، ودخل الإخوان النقابات المهنية للمرة الأولى عام 1984 عندما نجح عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان فى نقابة الأطباء، ومختار نوح فى «المحامين»، ووجدى غنيم فى «التجاريين»، ومحمد على بشر فى «المهندسين»؛ حيث اتخذت من النقابات منبراً لنشر الأفكار والدفاع عن قضاياها. للجماعة ذراعان سياسيتان تتحرك من خلالهما، الأولى جغرافية، وتتمثل فى الأسر والشعب والمناطق فى المدن والقرى، ومن خلال المناطق يتم اختيار أعضاء مجالس الشورى فى كل محافظة، أما مجلس الشورى العام فيتم اختيار أعضائه من شورى المحافظات، ويمثل كلَّ محافظة عددٌ من قياداتها وفقاً لحجم الإخوان، أما مكتب الإرشاد فيُنتخب أعضاؤه ال16 من «الشورى العام» بخلاف المرشد، أما المكاتب الإدارية التى تتولى شئون المحافظات فيتم اختيارها بالانتخاب. والثانية: الذراع النوعية، وتضم أربعة أقسام: الطلبة فى المدارس والجامعات، والمهنيون فى النقابات، والدعوة فى المساجد والتجمعات الجماهيرية، ويتولى قسم التربية وضع المناهج التى يتم تدريسها لكوادر الإخوان وتربية الفرد، بحيث يظل مرتبطاً بالجماعة طوال حياته. بعد اندلاع ثورة يناير تغيرت أوضاع الإخوان وسقط القانون 100 الشهير الذى أصدره النظام السابق لتحجيم وجود الإخوان فى النقابات المهنية، وقامت الجماعة بالدفع بكوادرها للترشح فى انتخابات النقابات المهنية، حيث سيطروا على معظم مقاعد مجالس النقابات، وظهر ذلك بصورة واضحة فى نقابات الصيادلة والأطباء وأطباء الأسنان والبيطريين والعلاج الطبيعى والمهندسين والمحامين والنقابات الفرعية للمعلمين فى المحافظات. وتخلوا عن الخط الأحمر الذى التزموا به طوال عهد مبارك، بعدم ترشيح أحد كوادرهم على منصب النقيب، ففاز الدكتور محمد عبد الجواد بمنصب نقيب الصيادلة، والمهندس ماجد خلوصى بنقيب المهندسين، والدكتور خيرى عبد الدايم بنقيب الأطباء، وفاز الدكتور محمد ناجى بنقيب العلاج الطبيعى، والدكتور حازم فاروق بنقيب الأطباء البيطريين، أما فى نقابة المعلمين فقد حقق مرشحو الجماعة فوزاً تاريخياً غير مسبوق وفازوا بأغلبية مقاعد مجالس النقابات الفرعية فى المحافظات، وتجرى الاستعدادات الآن للسيطرة على مجلس النقابة العامة ومنصب النقيب فى الانتخابات المقررة فى نهاية شهر مايو، أما نقابة المحامين، التى تعتبر أحد المعاقل الرئيسية للإخوان، فقد فاز الإخوان بأغلبية مقاعد مجلس النقابة العامة، حيث فازت قائمتهم ب 28 مقعدا من إجمالى 44 مقعدا وإن كانوا قد خسروا الأغلبية فى انتخابات النقابات الفرعية. ويعتبر التنظيم الدولى هو الواجهة الخارجية أو ما يوازى وزارة الخارجية الخاصة بالجماعة، ويتم من خلاله الاتصال بالسياسيين فى الخارج، ويضم التنظيم الدولى إخواناً من جميع الدول العربية والإسلامية، ولا تقتصر عضويته على المصريين فقط.