الجولة الأوروبية التى بدأها الرئيس من إيطاليا مروراً بالفاتيكان وانتهاءً بفرنسا تطرح بعض القراءات فى إطار فهم التوجه السياسى والاقتصادى للرئيس. البعض نظر لهذه الجولة باعتبارها الخروج الثانى للرئيس فى الاتجاه المضاد والمعاكس لأمريكا، وهنا قصدوا الإشارة إلى تلك الزيارة التى قام بها الرئيس إلى روسيا فى يونيو الماضى والتى اعتبرت رداً مصرياً قاسياً ومدروساً تجاه المواقف الأمريكية المتغطرسة ضد ثورة مصر وشعبها فى 30 يونيو، باعتبار أن الزيارة كانت هروباً من كماشة أمريكا التى لعبتها مع مصر فى التهديد بمنع التسليح أو تقليصه أو التهديد به، وفى النهاية نجحت الزيارة فى تصدير مجموعة من الرسائل المهمة لأمريكا التى كانت تصب فى خانة الاستغناء. الخروج الثانى غرباً بدأ من محطة إيطاليا، وإيطاليا هنا بلغة السياسة تُختزل فى جملة من أوراق الضغط المصرية، أولاها أنها هى التى تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى، وبالتالى دورها فى ترتيب أجندة النقاش شديد الأهمية، أضف إلى ذلك حجمها التصويتى الذى يصل إلى 29 نقطة إذا ما قورنت بالدول الصغرى مثل اليونان مثلاً، وبالتالى لن أبالغ كما فعل البعض حين قال إن إيطاليا يمكن أن تكون سفيرة مصر فى الاتحاد الأوروبى، ولكن أؤكد أنها قد تكون صوتها الأمين. هذا بالإضافة إلى مقومات العلاقة الإيطالية المصرية، فهى الشريك التجارى الأول لمصر من بين دول الاتحاد الأوروبى، كما أنها الشريك التجارى الثالث لمصر عالمياً بعد أمريكا والصين، كما أن التبادل التجارى مع إيطاليا وصل إلى ستة ونصف مليار دولار فى النصف الأول من هذا العام، كما أن إيطاليا هى خامس أكبر مستثمر فى مصر. كل هذه الروابط فى العلاقة جعل إيطاليا هى المحطة الأولى لتلك الجولة، وقبل ذلك علينا أن نشير إلى تلك القمة الثلاثية التى عقدت فى مصر بحضور قبرص واليونان، وهما عضوتان فى الاتحاد الأوروبى، واعتبرت قمة شرق أوسطية بامتياز برغم ما قيل عن أن حجم الدولتين وتأثيرهما ضعيف جداً، لكن فسرها العارفون بطبيعة التركيبة الشرق أوسطية بأن الرئيس السيسى يريد مكانة لمصر على خارطة الشرق الأوسط، مكانة يصارع بها مكانة تركيا المتربعة منذ فترة على قمة الإقليم. ومن هنا، علينا النظر إلى أن الانفتاح ناحية إيطاليا هو استكمال لبناء تحالف شرق أوسطى يخدم مصر، وفى نفس الوقت يفتح ملعباً جديداً أمام السياسى المصرى لمواجهة مكائد أردوغان الدائمة ضد مصر، فتقوية موقف مصر فى الشرق الأوسط، وتمتين علاقة مصر بدول الاتحاد الأوروبى يضيق فرص أردوغان فى تحقيق حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. الشىء الآخر والذى لا يقل أهمية عن تمتين العلاقة المصرية الإيطالية والشرق أوسطية توحيد الدور تجاه ما يحدث فى ليبيا فلإيطاليا دور مهم فى مواجهة الجماعات المتطرفة فى ليبيا ومن هنا يأتى الدور الفرنسى الذى يقوى الموقف المصرى والإيطالى معاً، ففرنسا لا تريد أن تتكرر تجربة مالى واستقواء القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى مرة أخرى، فهى ستدعم كل ما يمنع توحش الجماعات الإرهابية فى ليبيا، وهذا ما تحدث بشأنه الرئيس السيسى حين التقى بفرانسوا أولاند، الرئيس الفرنسى على هامش اجتماع الجمعية للأمم المتحدة فى نيويورك. فى المحصلة الرئيس يفتح أفقاً سياسياً واقتصادياً بعيداً عن أمريكا، كما فتح أفقياً تسليحياً بعيداً عنها حين اتجه إلى موسكو، وفى لعبة السياسة الذى يملك أوراق اللعبة هو وحده من يجيد اللعب بها.