تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا.. لم تتخلص من الطفولة بعد.. وما تزال روحها مفعمة بالأمل والطموحات التي لا تنتهي. فصاحتها وأفكارها التي سبقت سنها هزت القوى المتطرفة، التي ظهرت هشاشتها في مواجهة معها، لتبدو تلك القوى كمن يستند على أعواد من القش سرعان ما تفقد تماسكها أمام زفير طفلة مثلها. هي الطفلة الباكستانية «ملالا يوسفزاي»، التي لم تشفع لها سنوات عمرها الخضراء اليانعة أمام محاولة الاغتيال البشعة التي تعرضت لها وهي تجلس في حافلة المدرسة، بعد أن انتهى اليوم الدراسي واستعدت للعودة إلى المنزل، في بلدة ميجورا الرئيسية في وادي سوات، حيث هاجم رجال مجهولون الحافلة وتساءل أحدهم -حسب شهادة الشهود- عن الطفلة «ملالا»، ثم أطلق النار عليها ليصيبها في رأسها، ويصيب معها زميلتين لا دخل لهما بالأمر. لم تمت الفتاة لحسن الحظ، لكنها لا تزال في حالة حرجة جدًا، وتقبع في حجرة العناية المركزة بمدينة بيشاور غائبة عن الوعي، كما صرَّح الأطباء المعالجون. حيث قال طبيب لم يذكر اسمه: «انتقلت الرصاصة من رأسها واستقرت خلف كتفها قرب الرقبة، والأيام الثلاثة أو الأربعة المقبلة مهمة بالنسبة لحياتها». فيما بعد أعلنت حركة طالبان الباكستانية، التي كانت تحكم السيطرة على وادي سوات الواقع شمال غرب باكستان، والذي كان يوصف فيما سبق بسويسرا باكستان، أعلنت مسؤوليتها عن الحادث، وأنها حذرت «ملالا» مرارًا وتكرارًا من الحديث ضد حكومة طالبان، وأن أي شخص يتحدث ضد الحركة سيلقى نفس المصير. الذنب الذي ارتكبته الفتاة واستحقت عنه القتل هو كتابتها ضد حكومة طالبان منذ أن كان عمرها أحد عشر عامًا، حيث كتبت تقارير للبي بي سي بلغة الأوردو دون أن تذكر اسمها، لتكشف عن الفظاعات التي ارتكبها المسلحون المتشددون في وادي سوات أثناء سيطرتهم عليه؛ من حرق لمدارس الفتيات وترويع لأمنهن، وذلك قبل أن يستعيد الجيش الباكستاني السيطرة على الوادي في 2009، كما كتبت مقالين وثائقيين لصحيفة «نيويورك تايمز»، لكنها مؤخرًا شنت حملات تؤيد وتطالب بحق الفتيات في التعليم في وادي سوات، وهي الحملات التي لاقت صدى واسع لدى عشرات الآلاف من الفتيات اللاتي حُرمن من التعليم على يد الإسلاميين المتشددين منذ عام 2007. وكانت «ملالا يوسفزاي» حازت على أول جائزة للسلام الوطني من الحكومة الباكستانية، وجاء اسمها ضمن المرشحات لجائزة السلام الدولية للأطفال التي تمنحها مؤسسة «كيدز رايس». وأثارت تلك العملية التي جرت في وضح النهار مخاوف حول الأمن بعد ثلاث سنوات من عودته مرة أخرى، كما أحدث نبأ إصابة «ملالا» صدمة لدى المجتمع الباكستاني والعالمي، ما جعل نشطاء موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ينشئون «هاشتاج» باسمها ليدعموها ويتمنوا لها النجاة، ويهاجمون من خلاله قوى التشدد والتطرف التي كشفتها طفلة بمجرد أفكارها.