فى هذه المقالة أود التذكير بطبيعة الدولة الصهيونية التى حققت مصر انتصاراً كبيراً عليها فى 6 أكتوبر 1973، لكن اتفاقية 1979 بددت الكثير من نتائجه لاحقاً. طبيعة الدولة الصهيونية طمستها سنوات «سلام» وهمى حقق للإسرائيليين ما فشلوا فى تحقيقه فى المعارك. لقد حان وقت تقديم «إسرائيل» على حقيقتها للجيل المعاصر، بل حان وقت إعادة النظر بالكامل فى طبيعة السياسة الخارجية المصرية تجاه مجمل قضايا الصراع العربى - الصهيونى. الكيان الصهيونى أقامته الحركة الصهيونية فى فلسطين عام 1948 بدعم وتأييد قوى عالمية ليصبح (بقوة الأمر الواقع وبلا أدنى شرعية أخلاقية أو قانونية سليمة) «دولة» كبقية دول العالم لها وجود مُعترف به دولياً باعتراف عدد من الدول بها وبعضويتها بالأمم المتحدة. لكن هذا يجب ألا ينسينا طبيعة ذلك الكيان ونشأته التاريخية. فالكيان الإسرائيلى -فى حقيقته- كيان استعمارى، استيطانى، إحلالى، عسكرى، عنصرى، توسعى، عميل للقوى الاستعمارية الكبرى، تابع اقتصادياً لها، غريب حضارياً عن المنطقة العربية والإسلامية، وهو يستعمل مقولات دينية، توراتية وتلمودية، وادعاءات تاريخية لخدمة أهدافه ومطامعه. أقف اليوم عند جزء من هذا التعريف وأقول إن هناك أربع سمات رئيسية لهذا الكيان، فهو أولاً كيان استعمارى استيطانى إحلالى كما وصفه الراحل جمال حمدان، لأن الإقليم الجغرافى له اُغتصب من الشعب الفلسطينى بعد عمليات قتل وإرهاب وتشريد ومحو نحو 500 قرية ومدينة فلسطينية من الوجود، ولأن سكانه تم جلبهم (طوعاً وقسراً) من أوروبا ثم من العالمين العربى والإسلامى. أما جيشه فتم تشكيله من العصابات المسلحة التى كانت تمارس الإرهاب فى فلسطين قبل 1948 ضد العرب بل وضد البريطانيين بعد أن وضعوا حداً للهجرة اليهودية. وهو ثانياً كيان عنصرى، لأنه يصدر قوانين عنصرية ويمارس سياسات ترسخ كل صور التمييز العنصرى ضد الشعب الفلسطينى، صاحب فلسطين الشرعى، بل وضد اليهود غير الغربيين أيضاً. وهو ثالثاً كيان وظيفى عميل، لأنه يعمل كأداة فى يد قوى استعمارية عظمى، ويقوم بدور الوكيل عن دول غربية بهدف الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للغرب، وهو رابعاً كيان استعمارى عسكرى توسعى لأنه يفترض أحقيته فى البقاء والتوسع ولو على حساب ما عداه من الشعوب، و«إسرائيل الكبرى» التى تمتد على حساب الغير هى هدف الصهيونية النهائى. ويُقنّع الكيان سياسته التوسعية بأيديولوجيات متباينة مثل أيديولوجية المجال الحيوى وأيديولوجية الحدود التاريخية لتحقيق الأمن، كما كتب الراحل طه بدوى. وهذه أيديولوجيات سبق لهتلر النازى استخدامها. ولتحقيق ذلك التوسع كان لا بد أن يكون جيش هذا الكيان هو سكانه، وسكانه هم جيشه وأن يكون «أمن الدولة» هو مشكلتها المحورية. أما الاعتبار الثانى فهو يهودية الدولة وإصرار الساسة الإسرائيليين على هذا منذ وثيقة «إعلان دولة إسرائيل» عام 1948 وتأكيد عدد من القوانين على هذا الأمر كقانون العودة (1950) وقانون الجنسية (1951). وهما قانونان عنصريان ليس لهما مثيل فى عالمنا المعاصر لأنهما يسمحان لأى يهودى فى العالم بالهجرة إلى «إسرائيل» والحصول على جنسيتها مباشرة بينما يتم طرد سكان البلاد الأصليين ومنع عودتهم. حان وقت العمل الرسمى والأهلى لتعرية هذا الكيان العنصرى وتنوير العقول بأبجديات الصراع العربى - الصهيونى بكل الوسائل الممكنة من إعلام وتعليم ومؤتمرات وندوات، ولتعزيز ثقافة المقاومة على جميع المستويات الحضارية والثقافية والسياسية والعسكرية بعد سنوات من زرع ثقافة الاستسلام واليأس. وحان وقت تصدير الحقائق إلى كل الشعوب الحية فى العالم لدفع حكوماتها إلى تعديل مواقفها.