الرجل الذى يخبز ويعجن ويصنع الحلوى لبيعها فى محل حلويات بسيط بمنطقته (ناهيا) بمنطقة بولاق الدكرور، هو نفسه الذى يتحرك فى السابعة مساءً، ممسكاً بأدوات «السباكة» ليبدأ العمل الليلى فى تسليك المجارى والبالوعات العمومية. عملان متناقضان، يمارسهما «عبدالباسط» منذ سنوات، بحثاً عن معنى آخر للحياة، يذوق فيها الحلاوة نهاراً، ويتكبّد معاناة «المجارى» ليلاً. علاقة «عم عبدالباسط»، العامل بهيئة الصرف الصحى، بالبالوعات لا تعد مصدر رزق فقط، إذ يعتقد الرجل الخمسينى أن تسليكها واجب عليه، «دى مهنتى من زمان وشغلانتى اللى بحبها، 20 سنة بشتغلها، بس لما لقيت المرتب مش جايب همه، قلت أشوف شغلانة تانية جنبها تساعد على مصاريف العيال». وكم حاول «عبدالباسط» أن يبحث عن عمل آخر بجانب مهنته الأساسية مراراً، لكن فى كل مرة يواجه مشكلة، «رحت لكذا شركة ومحلات كتير عشان أشتغل عندهم، ولما كانوا يسألونى بتشتغل شغلانة تانية، ويعرفوا إنى باسلك مجارى كانوا يرفضونى». ولم يجد الرجل البسيط غير هذا التناقض المزعج ليصنع هذا الاستثناء المدهش بالعمل فى محل حلويات، مضيفاً «قلت الحقيقة لصاحب المحل عشان الشغل مش عيب، وهو الوحيد اللى رضى بيا عشان شافنى راجل نضيف، وصريح معاه، وعشان ماكدبتش عليه خلانى أشتغل عنده». ويضيف: «مش أى حد بيشتغل فى المجارى يبقى مش نضيف، إحنا عندنا عيال وبنخاف عليهم، وكل يوم بروح أعقم نفسى وبحافظ على نضافتى عشان عيالى وزباينى فى المحل».