خرجت كل الدول العربية مجتمعة من قائمة أفضل أربعين دولة متقدمة تعليمياً، بينما تصدرت كل من كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وهونج كونج وفنلندا «الخامسة عالميا والأولى أوروبياً، قمة الأنظمة التعليمية على مستوى العالم، ونشير هنا إلى أن كوريا الجنوبية واليابان وفنلندا كانت أحد أبرز أمثلة التحول من بلدان فقيرة إلى بلدان متقدمة من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة، وعلى الرغم من أنها جميعها دول فقيرة فى مواردها الطبيعية، فإنها قد اعتمدت وضع رؤى وأهداف استراتيجية محددة، وبذلت الجهد الشاق والمثابرة، وقامت بالتغيرات المطلوبة لتصبح أمماً متكاملة عالمية تمتلك اقتصادات متقدمة. إن تلك الدول لم تعتمد فقط الإنفاق على التعليم كوسيلة وحيدة لاعتلاء قمة الأنظمة التعليمية فى العالم -على الرغم من أنه عامل مهم- بل رسخت أيضاً الثقافة المجتمعية الداعمة للتعلم، ووفرت للمعلمين المكانة المجتمعية المرموقة، وحسَّنت من ظروفهم المعيشية والمعنوية والتدريبية والتأهيلية، وأسندت لهم دوراً كبيراً وبارزاً فى المجتمع، فاعتبرت المعلم حجر الزاوية والوسيلة الفاعلة من أجل تطوير المجتمع والنهوض به، وميزته ووضعته فى مصاف الطبقة العليا، مما أضفى على المعلم هيبة اجتماعية ترددها الأجيال. إن العملية التعليمية من أولويات أمن واستقرار أى مجتمع راغب فى التقدم، لذا تخطط الدول عادة للتنويع فى التعليم والتوسع فيه وتعمل على مساعدة النشء على تحقيق أحلامهم واكتشاف مواهبهم وتطوير قدراتهم وصقلها وتكوين أجيال من القوى العاملة المدربة والمؤهلة وتمكينهم من الالتحاق بسوق العمل من أجل تحقيق الازدهار، حيث يزداد التركيز على تحسين كفاءة التعليم باعتباره قاطرة النجاح الاقتصادى، وباتت الدول الأقل اهتماماً بالتعليم خارج المنافسة العالمية، ذلك دون إغفال لاتخاذ التعليم أداة لغرس الهوية القومية لدى الطلاب، وبناء الانتماء والفكر الوطنى وتنمية المشاعر الوطنية التى تحرك أفراد المجتمع للمشاركة فى دعم النشاط الاقتصادى والاجتماعى، والارتقاء بالسلوك والمبادئ الأخلاقية، ولا يستطيع أى مجتمع تحقيق أهداف التنمية الشاملة ومواجهة متطلبات المستقبل إلا بالمعرفة والعلم. فالريادة لا يمكن أن تتم إلا من خلال التفوق العلمى المبنى على المعرفة، فالتعليم أساسه صناعة وطنية قومية تستهدف المصلحة العامة. فعندما هَزم نابليون بونابرت الألمان فى بداية القرن التاسع عشر، سادت مشاعر اليأس بين الألمان، فوجه الفيلسوف الألمانى «فيخته» خطاباً إلى الأمة الألمانية، شرح فيه أن الهزيمة كانت تربوية قبل أن تكون عسكرية، وأن الخلاص يكمن فى استبدال النظام التعليمى الألمانى بتربية جديدة، تنبذ التدريب الميكانيكى للذاكرة وأساليب الحفظ والتلقين. إننا اليوم لدينا آمال وطموحات لنستعيد نهضتنا الاقتصادية والثقافية العريقة كقوة إقليمية متقدمة ومؤثرة فى منطقة الشرق الأوسط فى وقت قياسى نتيجة ما تمر به منطقتنا من مخاطر وأطماع وتهديدات. إن التقدم الحقيقى يبدأ بإصلاح التعليم، فالتعليم هو الأساس الوحيد للنجاح فى الحاضر والمستقبل، ويجب أن يغطى التعليم أبناء الوطن جميعاً، وهذا يعنى أن علينا إحداث ثورة فى برامج التعليم وثورة فى فلسفته حيث لا صلاح للتعليم إلا بإحداث تغييرات جذرية فى بناء هيكل التعليم ونظم إدارته وإعادة صياغة السياسات التعليمية والتربوية والأخلاقية ومعايير الجودة من جديد وتطوير التشريعات التى تسمح بالاستثمار فى قطاع التعليم من خلال جهاز متخصص للتطوير التعليمى والتربوى، واعتماد خطة الإصلاح على تنمية مختلف المهارات للطالب، والاهتمام بإعداد المعلم، وتكثيف الإنفاق على التعليم، وزيادة النسبة المخصصة للتعليم، لتصل إلى 15% على أقل تقدير، والاعتماد على المجتمع الأهلى فى المساهمة فى ذلك.