الدموع تتساقط من الركن الخارجى للعين بمرارة.. تحمل تعبيراً مؤلماً تفصح عنه عينان بريئتان لفتاة صغيرة لا يتعدى عمرها خمسة عشر عاماً.. هربت وحدها من مدينتها بنيجيريا إلى مدينة مجاورة بعد أن قتلت جماعة «بوكو حرام» الوحشية والدها وأحرقت أمها حية أمام عينيها. وهناك.. يحمل أطفال أمتعة ثقيلة فوق ظهورهم النحيفة يشقون الطريق الموحش فى صحراء جرداء تحيا وترتوى بطلقات المدافع ودوى الشماريخ.. فيسقط منهم من يسقط ويكمل الآخر وحيداً المشوار إلى صمت الخيام والمصير المجهول. وعلى جبهة القتال يقف شجاعاً بل شجاعاً و.. بل إنساناً.. ولكن خارت قواه وضعفت مقاومته، وخشى أن يرفع راية الاستسلام.. فهكذا قالوا: «ستصبح جباناً».. وهكذا وجدوه غارقاً فى دمائه.. فى يده ورقة صغيرة.. قل لهم لم أعد أحتمل.. لم أعد أقوى!! وبعيداً.. فى صقيع أجواء الغربة.. تسير الحياة.. عقول شاردة تسترجع لحظات الاغتصاب.. لحظات الرحيل.. لحظات الغدر والقتل.. والفراق.. وبعيداً يلوح سؤالٌ رافعٌ راية بيضاء.. ماذا كنا نفعل هناك؟؟.. وماذا كنا نحارب من أجله؟؟ وبعيداً.. ما زالت الدموع السوداء بجزيرة «جورى» بالسنغال تبكى أبناء قارتها الذين تعرضوا منذ أكثر من 400 عام لواحدة من أبشع الممارسات وحشية فى تاريخ الإنسانية عندما كانت تتم تجارة العبيد على أرضها من خلال مشاهد مؤلمة حفرتها أظافر لأجساد عرقة متلاصقة تركت آلامها تحكى قصتها على جدران «منزل العبيد الحزين»، الذى كانت غرفه لا تتسع إلا لعشرة أفراد، وبينما كان يزج داخلها بأكثر من 150 فرداً وذلك قبل أن تتم عملية ترحيلهم مكبلين بجنازير وأغلال.. متراصين كالسردين على أرض سفن تبحر بهم لشهور إلى أوروبا وأمريكا..!! وبعيداً.. ما زال أطفال الحجارة بغزة يلوحون بأسلحتهم البيضاء وبنادقهم الآلية بعد أن كبروا مجردين من العاطفة والرأفة والرحمة لينضموا إلى صفوف جماعات إرهابية عرفت كيف تأسر عقولهم وتلعب على مشاعر غضبهم وثورتهم وأحقادهم نحو من تسبّب لهم فى التشريد.. فى الضياع بل فى موت الحياة..!! وبعيداً.. مذابح البوسنة.. حرب فيتنام.. مجازر الهولوكوست.. دماء العراق.. ضياع سوريا.. ليبيا.. اليمن وظلم فلسطين..!! والنتيجة؟؟ بقايا أشلاء من الأوجاع والقسوة التى لا يعرفها إلا من عاش وما زال يعيش فى ظلال الحرب.. من ترك داره.. من بترت ساقه.. من مد يده.. من بكى الفراق.. من ضاع حلمه.. من نفد صبره ومن أصبح فى طى النسيان!! ولكن.. تسير الحياة ويبقون هم على هامشها.. هم، من كانوا يوماً مثلنا فى بيت.. فى مدرسة.. فى عمل.. وفى وطن.. تسير الحياة ونتعجب كيف أصبح الإنسان بهذه القسوة؟؟ فنحلل.. ندرس ونحاضر لنعرف الأسباب؟؟ ولكننا نتجاهل الحقيقة وندير رؤوسنا بعيداً.. وقليل منا يتساءل: «ماذا حل بهؤلاء؟؟؟» كيف عاشوا؟؟.. كيف استمروا واستمرت معهم الحياة؟؟ ولكنّ قليلاً منا يتوقف ويتساءل من هم أبناء داعش ومن هم رجال حزب الله ومن هم شياطين حماس.. وغيرهم.. .. وهل تساءل أحد كيف استطاعت هذه الجماعات أسر واستقطاب آلاف من الرجال والنساء والشباب من الغرب والشرق وتجنيدهم فى الحرب معها تحت أى مسمى أو هدف؟؟ قد تكون الإجابة صعبة.. قد لا تكون ثاقبة أو صائبة.. لكنها تفتح باب الماضى وتدق أجراس الحاضر والمستقبل، معلنة عن شروخ وجروح وأسى وحزن وضياع لأجيال لا ذنب لها.. أجيال أفسد حياتها قادة، وشعوب رفعت رايات زائفة والآن تبحث عن مخارج تنقذها وتحمينا من صنيعتها حتى إشعار آخر ينطلق من خيام صنيعة جديدة تعيش فى ظلال الحرب.