سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» تقضى ليلة الاعتصام الأولى لسائقى «الميكروباصات» أمام مبنى محافظة القاهرة المعتصمون: المخالفات وصلت 30 ألف جنيه بحجة «تحميل حيوانات» و«سير عكس الاتجاه»
الميدان يفيض عن آخره بالركاب، غاب أصحاب الأصوات الصاخبة التى تعوّد المواطنون على سماعها قرب موقف الميكروباص، وزحام شديد على أتوبيسات النقل العام التى فرغ سائقوها لتوهم من إنهاء إضرابهم. هكذا كان حال موقف وميدان السيدة عائشة. حالة توهان شديدة تسيطر على من ساقتهم الأقدار إلى طريق الموقف باحثين عن سيارات تنقلهم إلى منطقتى العتبة أو رمسيس، حيث لا توجد سيارة ميكروباص واحدة فى الموقف، وعلى المواطن الغلبان أن «يخبط دماغه فى الحيط»، بعد أن قرر السائقون الاعتصام بالموقف وعدم التحرك بسياراتهم منذ صباح أمس الأول، رافعين لافتة كبيرة بمدخله مكتوباً عليها «النقابة الحرة للعاملين بالنقل البرى تساند السائقين فى مطالبهم المشروعة من أجل المساواة بأى عامل فى الدولة»، وقضى السائقون يومهم داخل الموقف دون أن يسمعهم أى مسئول أو يتضامن أو حتى يتعاطف معهم أحد، خصوصاً الركاب، فقرروا نقل اعتصامهم إلى مقر محافظة القاهرة. «الوطن» صاحبت السائقين فى طريقهم إلى منطقة عابدين، داخل الميكروباص الذى نقل السائقين المضربين وسمّوه «ميكروباص الاعتصام»، وقضينا الليلة الأولى معهم أمام محافظة القاهرة. مشادات كلامية تطورت إلى سباب وشتائم بين الركاب من جهة وأصحاب السيارات والسائقين المضربين عن العمل من جهة أخرى. هذا الوضع استمر طوال نهار الثلاثاء، فالركاب لا يرون مبرراً للاعتصام، لأن السائقين يذيقونهم ألواناً من العذاب يومياً، وأصحاب السيارات يرون أنهم مظلومون، بسبب ما فُرض عليهم من مخالفات قاسية. ظن المضربون بالمسئولين خيراً، لكنهم لم يجدوا من يسمع لهم ويحاورهم، فقرروا نقل اعتصامهم إلى مقر محافظة القاهرة، لعلهم يجدون من يستمع إلى مطالبهم. استقل المضربون سيارات الميكروباص وتوجهوا بها إلى مبنى المحافظة. طلبوا منا الركوب معهم للانتقال إلى مقر الاعتصام الجديد، فكانت فرصة جيدة للاستماع إليهم ومعرفة رد فعل المارة والأهالى عليهم طوال الطريق. مرت السيارة على ركاب كثيرين، هموا بالإشارة إلى سائقها، بعد أن تورمت أقدامهم من الانتظار طويلاً فى الشارع، وعندما يسأل أحدهم سائق الميكروباص: السيدة عائشة؟ لا يجد جواباً من السائق. مرت السيارة على آخرين وبمجرد علمهم بأن من فيها هم السائقون المضربون، صبّوا عليهم غضبهم وسبوهم، مما استفز السائقين الذين ردوا بالمثل وأكثر. أصحاب الميكروباصات والسائقون شكوا لنا خلال الرحلة القصيرة من الارتفاع المبالغ فيه لقيمة المخالفات وحمّلوا الشرطة المسئولية. يقول محمد محمود، أحد المضربين: «فكرة الاعتصام جاءتنا قبل 40 يوماً عندما حاولت تجديد رخصة السيارة، فاكتشفت أننى مطالب بدفع 8 الآف جنيه مخالفات، إضافة إلى 1000 جنيه قيمة السرفيس أو خط السير التى تضاعفت مؤخراً، لم ندفع هذه المخالفات الكبيرة قبل الثورة لكنها زادت بعدها بسبب الغياب الشرطى وعدم توجيه السائقين، وأمناء الشرطة بدأوا عودتهم للشارع بتحرير مخالفات للسيارات»، ويكشف «محمود» أن كل الميكروباصات غير مرخصة وتضطر إلى السير عكس الاتجاه فى الشوارع الرئيسية، وفى الحوارى والأزقة هرباً من أمناء الشرطة. أمام محافظة القاهرة بدت سيارات الميكروباص متراصة بجانبى الطريق، تخطف عيون الناظرين، وفى حوالى الثامنة مساءً ازداد عدد المعتصمين الذين يمثلون أكثر من سائقى 40 خطاً، معظمهم من شرق القاهرة. دقائق وتعالت الهتافات التى تؤكد عدم تراجعهم عن فض الاعتصام، فقرروا غلق نهر الطريق، وتدخل كبار منسقى الاعتصام، مثل سعيد محمد، لمنع السائقين من ذلك، وهدأهم، لكن بعضهم أبى فدخلوا فى مشادات كلامية مع سائقى التاكسى الذين لم يرحبوا باعتصامهم، واتهموهم بالغلو فى المطالب واستغلال الظروف. وقال أحد سائقى التاكسى: «أنتو واكلينها والعة، بتقسّموا المسافة 3 مرات، حرام عليكم»، فتجمع حوله بعض السائقين ليشرحوا له أسباب اعتصامهم، بينما شكا لنا سائقون آخرون من المخالفات الكبيرة، وتعجبوا من تحرير محاضر لأحدهم بسبب حمل حيوانات رغم أن «سيارتهم» ميكروباص. السائقون المعتصمون زاحموا 30 أسرة من أهالى الهناجر بالقطامية الذين افترشوا حديقة المحافظة ونصبوا خيامهم فيها بعد إخراجهم بالقوة من شقق سكنوا بها لمدة سنتين، ويخشى هؤلاء من تأثير اعتصام السائقين على قضيتهم، فرغم اعتصامهم منذ الصباح لم يسمع لهم أحد، بل تعرضت سيدة حامل من بينهن للضرب على يد أحد جنود الأمن المركزى، حسب قول خالد محمد، أحد المعتصمين. وإلى جوار «قعدة شاى»، جلس السائقون يتندرون على زميل لهم ينادونه ب «الشيخ» لأنه ذو لحية، وقالوا: لجأ الشيخ إلى تزوير رقم سيارته وتبديل حروفها بشكل عشوائى، ليهرب من جحيم المخالفات، لكنه تراجع عن فعلته بعد إخباره بأنه يضر صاحب السيارة بالرقم الذى غيره. فى حوالى الثالثة صباحاً بدأ معظم المعتصمين فى الانصراف، لكنهم نقلوا اعتصامهم هذه المرة إلى طريق صلاح سالم أمام مسجد الشرطة وهددوا بنقل الاعتصام إلى مقر القصر الرئاسى بسياراتهم الميكروباص.