فى الإسكندرية على الأقل قصرا ثقافة لا يمكن أن نطلق عليهما كلمة «قصر»؛ قصرا ثقافة مصطفى كامل والقبارى، هما شقتان سكنيتان قبيحتان فى مساكن شعبية كئيبة! حقاً إن المنطقتين تستحقان الاهتمام، لكن لا يمكن لشقة خانقة أن تعطى ما يراد منها. على الدولة أن تشترى أراضى مناسبة وتبنى مقاراً تليق وتمكن من العطاء الثقافى. سيقال وأين الموارد الكافية؟ والرد: كم مليوناً تم صرفها فى هدم وإعادة بناء قصر ثقافة الشاطبى والأنفوشى وأمثالهما؟ وأضيف: كم تكلف مسرح بدروم قصر سيدى جابر المغلق؟ إنها أموال مهدرة، مثلما تهدر الأموال فى مؤتمرات بعضها يتحكم فيها الشلل والمظهريات الخرقاء، وأيضاً يتم إهدار الأموال فى إصدارات تافهة بالإسكندرية، أى مسئول يفهم فى الأدب، إن راجع تلك الإصدارات خلال السنوات الماضية، لأمر بمحاسبة المسئول ومحاسبة المسئولين عن هذا المسئول! الإسكندرية أنتجت أفضل المجلات والكتب بعيداً عن قصور ثقافتها الفاشلة. الأدباء زهقوا من تخلف قصور الثقافة فاتجهوا إلى العمل خارجها من القرن الماضى، فعندما أغلق «السادات» المجلات الثقافية فى السبعينات، كان «الماستر» ثورة احتجاجية خارج قصور الثقافة، وبدأها أنور جعفر ب«مجلة المسرح»، ثم أصدر أدباء السرد «مجلة نادى الأدب». وفى الثمانينات قام الأديب محمود عوض عبدالعال بإصدار مجلة وسلسلة كتب «أقلام الصحوة»، ونشر مع الأدباء نحو ثمانية كتب أدبية شارك فيها مصطفى نصر وسعيد سالم. وفى التسعينات أصدرت جماعة «أصيل» كتاب «أصيل»، وجماعة «الأربعائيون». وفى القرن الحالى استمر الابتعاد عن قصور الثقافة وتركوها للمدعين والعناكب، أعطى مثالين فقط، وأرجو من الشاعر مسعود شومان، رئيس هيئة قصور الثقافة، أن يلقى نظرة على إصدارات قصور الثقافة بالإسكندرية، ثم يأتى بكتاب «الكل» وأعداد من مجلة «أمكنة»، سيعلم فوراً كم الفشل الحكومى وكم النجاح المدنى، سيلقى بكتب قصور الثقافة بالإسكندرية فى القمامة، وسيضع «الكل وأمكنة» فى مكتبته بكل فخر. فى مدينة برج العرب التابعة للإسكندرية، بُنى قصر ثقافة على مساحة سبعة أفدنة به كل الإمكانات المتخيلة، ولا يعطى حصاده الثقافى! علماً بأن منطقة برج العرب من المناطق التى عشش فيها التطرف ويسود فيها التخلف، منطقة تكتسح النساء وتخنقهن فى خيامهن المتحركة، فما فائدة ما صُرف فى بناء هذا القصر الشاسع؟! أقترح أن تعمل هيئة قصور الثقافة مع وزارة التربية والتعليم ووزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة لاستغلال هذا القصر ذى الإمكانيات الهائلة، للتنوير فى برج العرب الغارقة فى ظلام التخلف، مثلاً، المدارس ليس بها مسارح ولا مساحات للرياضة البدنية، والقصر به مسرح جيد ومساحات مفتوحة، وأيضاً قاعات متعددة تشبع حاجات الطلبة الفنية المتنوعة. هذا القصر يمكن أن يكون طاقماً من الإضاءات التنويرية، يحتاج فقط للفكر المتحرر والإدارة الرشيدة. منذ سنوات طويلة مضت، قدمت اقتراحاً لمدير قصر ثقافة بإقامة ملتقى أدبى لمناقشة أعمال الأديب السكندرى محمد حافظ رجب، المدير نظر لى متعجباً متسائلاً: مين ده؟! إن كان المدير ليس له علم بأحد أهم أدباء الإسكندرية، فكيف نتوقع منه إضاءة تنويرية؟! العيب والفشل والعار أن يتم تعيين المديرين بناء على أقدميتهم الوظيفية دون الاهتمام بثقافتهم! أعلم أن إعادة هيكلة الهيئة يستدعى إعادة هيكلة وزارة الثقافة والمنظومة المصرية كلها، فهل معنى هذا أن نستمر فى البكاء على اللبن المسكوب؟ أبداً، علينا بالإصلاحات الجذرية بقدر استطاعتنا حتى تتم إعادة الهيكلة الشاملة. وعليه أقترح على السيد وزير الثقافة د. جابر عصفور، والسيد الشاعر مسعود شومان، رئيس هيئة قصور الثقافة، الآتى: أن يكررا ما فعله رئيس الهيئة الأسبق سعد الدين وهبة الذى عين المبدعين رؤساء قصور ثقافة، فعين الفنان محمود دياب والممثل كمال حسين مديرَين لقصر ثقافة الحرية، علماً بأنه قد سبق أن تولى الوزير الأسبق السيد/ فاروق حسنى، إدارة قصر ثقافة الأنفوشى، والفنان التشكيلى ماهر جرجس إدارة قصر ثقافة سيدى جابر «التذوق»، وكانوا ناجحين، لكنهم كانوا فلتات أتت وذهبت. المطلوب أن يكون ودوماً من المبدعين، ويوجد بالفعل عدد من المبدعين معينون فى الهيئة إجمالاً. وأنتهى بما فعله وزير الثقافة الأسبق د. عماد أبوغازى، فعندما اتضح له فشل الإدارة ب«مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية»، شكَّل مجموعة من الفنانين والأدباء لإدارة المركز، ونجح التشكيل الجديد رغم ضعف الميزانية، خاصة أنه استكمل بتعيين المدير التنفيذى د. وليد قانوش وهو فنان تشكيلى وإدارى ناجح. بهذه الفكرة تم إبعاد الركود الإدارى من «مركز الحرية للإبداع»، فالمبدعون هم القادرون على تولى أمور الإبداع. ونعترف هنا بأن المبدعين فى حروب بينية سخيفة، وهذا نتاج فترات التسلط التى دامت طويلاً على عموم مصر، لكن بحسن الاختيار يتم تحجيم الخلافات وتنمية التفاهمات والنجاح المنشود؛ لذا أقترح أن يتم تكوين مجلس إدارة من المبدعين السكندريين الحقيقيين ليتولوا التخطيط وإدارة كل ما يخص الإبداع بقصور الثقافة. الإسكندرية أعظم وأفخم وأجل من تركها للروتينية الضحلة كارهة الحراك العقلى، فتسود فيها السلفية الظلامية. وإن قلت الإسكندرية أعظم وأفخم وأجل فالكلام يعم على عموم مصر، مصر التى أنهكتها ثقافة استبدادية رانت عليها، ورزحت تحتها إدارات بليدة هى غول غبى ضعيف البصر معدوم البصيرة، يطيح ركلاً بكل من يفكر فى تبديل الغباء السائد. لتتقدم مصر بنا ونتقدم بها، نحتاج إلى جرأة فى التفكير، جرأة فى الحلول.